وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "من يعِش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين"، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أنه ليس كل ما حدث بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس كل ما أحدثه مسلم من أمته حسناً، وإذا بطل أن يكون اللام للجنس تعيَّن أن يكون للعهد أو للاستغراق، أما على الأول: فالمعهود إما المسلمون الكاملون كأهل الاجتهاد كما قال عليّ القاري في "المرقاة": المراد بالمسلمين زُبدتهم وعُمدتهم، وهم العلماء بالكتاب والسنَّة الأتقياء عن الشبهة والحرام. انتهى. وإما الصحابة وهو الأظهر، بل لا يميل القلب الصادق إلى سواه، لكونه بعض حديث من حديث طويل مشتمل على توصيف الصحابة، والأصل في اللام هو العهد الخارجي، ويؤيده دخول الفاء على قوله: "ما رآه المسلمون" على ما هو أصل الرواية وإن اشتهر بحذفها على لسان الأمة فإذن لا يدل الحديث إلاَّ على حُسن ما استحسنه الصحابة أو ما استحسنه الكاملون من أهل الاجتهاد لا على ما استحسنه غيرهم من العلماء الذين حدثوا بعد القرون الثلاثة، ولا حظّ لهم من الاجتهاد، وما لم يدخل ذلك في أصل شرعي، وأما على الثاني: فإما أن يكون للاستغراق الحقيقي فلا يدل إلاَّ على حسن ما استحسنه جميع المسلمين، لا على حسن ما وقع الاختلاف فيه، وإما أن يكون للاستغراق العرفي وهو استغراق المسلمين الكاملين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين، وبعد اللُّتيّا واللَّتي أقول: كلام محمد - رحمه الله تعالى - ههنا صافٍ من الكدورات لأنه إنما استدل بهذا الحديث على حُسن قيام رمضان بالجماعة، وهو أمر استحسنه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون والعلماء الكاملون، وما استحسنه هؤلاء فهو عند الله حسن بلا ريب، وما استقبحه هؤلاء فهو عند الله قبيح بلا ريب، وبالجملة فهذا الحديث نِعْمَ الدليل على حسن ما استحسنه الصحابة وغيرهم من المجتهدين، وقبح ما استقبحوه، وأما ما استحسنه غيرهم من العلماء فالمرجع فيه إلى القرون الثلاثة، أو إلى دخوله في أصل من الأصول