للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرأيت (١) رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عَلَى حَاجَتِهِ (٢) مستَقْبِلَ (٣) بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ، يَنْصَرِفُ الرجل إذا


(١) قوله: فرأيت، وفي رواية ابن خزيمة، فأشرفتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وهو على خلائه، وفي رواية له: فرأيته يقضي حاجته، وللحكيم الترمذي بسند صحيح فرأيته في كنف. وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقاً: يحتمل أن يكون رآه في الفضاء، ولم يقصد ابن عمر الإِشراف في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة له، فحانت منه التفاتة، نعم لما اتفقت رؤيته في تلك الحالة من غير قصد أحبَّ أن لا يخلي ذلك من فائدة، فحفظ هذا الحكم الشرعي.
(٢) قوله: على حاجته، أخذ أبو حنيفة بظاهر حديث: "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول"، فحرَّم ذلك في الصحراء والبنيان، وخص آخرون بالصحراء لحديث ابن عمر، قال القاضي أبو بكر بن العربي: المختار هو الأول لأنّا إذا نظرنا إلى المعاني فالحرمة للقِبلة، فلا يختلف في البنيان والصحراء، وإن نظرنا إلى الآثار، فحديث أبي أيوب "لا تستقبلوا" الحديث عامّ، وحديث ابن عمر لا يعارضه لأربعة أوجه: أحدها أنه قول: وهذا فعل، ولا معارضة بين القول والفعل، والثاني: أن الفعل لا صيغة له، وإنما هو حكاية حال وحكايات الأحوال معرَّضة الأعذار، والأسباب، والأقوال لا تحتمل ذلك، والثالث: أن هذا القول شرع منه، وفعله عادة، والشرع مقدم على العادة، والرابع: أن هذا الفعل لو كان شرعاً لما ستر به. انتهى. وفي الآخيرين نظر، لأن فعله شرع والتستُّر عند قضاء الحاجة مطلوب بالإجماع، وقد اختلف العلماء في علَّة النهي على قولين: أحدهما: أن في الصحراء خلقاً من الملائكة والجن، فيستقبلهم لفرجه، والثاني: أن العلة إكرام القبلة، قال ابن العربي: هذا التعليل أولى، ورجَّحه النووي أيضاً، كذا في "زهر الرُّبى على المجتبى" للسيوطي.
(٣) قال أحمد: حديث ابن عمر ناسخ لنهي استقبال بيت المقدس.

<<  <  ج: ص:  >  >>