التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكلّ من روى عنه القِران أراد ما استقر عليه أمره، ثم قال الحافظ: يترجَّح رواية من روى القران بأمور، وذكر منها: أنه لم يقل عليه السلام في شيء من الروايات أفردتُ ولا تمتعتُ، وقال: قرنت، وأيضاً فإن من روى القران لا يحتمل حديثَه التأويل إلاَّ بتأمُّل، بخلاف من روى عنه الإفراد، فإنه محمول على أول الحال، ومن روى عنه التمتع فإنه محمول على الإقتصار على سفر واحد للنسكين، وأيضاً فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابياً بأسانيد جياد، بخلاف روايتي الإفراد والتمتع، قال الحافظ: وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك، ومقتضى ذلك أن القران أفضل من الإِفراد والتمتع، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال دالثوري وأبو حنيفة وأسحاق بن راهويه، وإختاره من الشافعية المُزَني وابن المنذر وأبو إسحاق المَرْوزي، ومن المتأخرين تقيّ الدين السُبْكي، وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه وسلَّم تمنَّاه بقوله: لولا أني سقتُ الهدي لأحللت، ولا يتمنى إلا الأفضل وهو قول أحمد في المشهور عنه، وأُجيب عنه بأنه إنما تمناه تطييباً لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته، وإلا فالأفضل ما اختار الله له واستمرَّ عليه، وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة في الفضل سواء، وهو مقتضى تصرُّف إبن خزيمة في صحيحه، وعن أحمد: من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعله عليه السلام، ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمنّاه، ض أتباعه: ومن أراد أن يُنشئ لعمرته من بلده سفراً فالإفراد أفضل له، وهذا أعل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، كذا في (فتح الباري) و (ضياء الساري) وغيرهما من شروح صحيح البخاري، ولابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) كلام نفيس طويل في ترجيح القران بنحو عشرين وجهاً فليُرجع إليه