(٢) قوله: فَقَالَ: أَنَّهَا بَدَنَةٌ، قيل: الظاهر أن الرجل ظن أنه عليه السلام خفي عليه كونها هدياً، فلذلك قال: إنها بدنة. قال الحافظ: والحقّ أنه لم يخفَ ذلك عليه لكونها كانت مقلَّدة، ولهذا قال له لما زاد في مراجعته: ويلك. وقال القرطبي: إنما قال له ويلك تأديباً لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه. وبهذا جزم ابن عبد البَرّ وابن العربي، وبالغ حتى قال: ولولا أنه صلّى الله عليه وسلّم اشترط على ربِّه ما اشترط لهلك ذلك الرجل. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون فهم عن الرجل أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها، فزجره عن ذلك. وعلى الحالتين فهي إنشاء ورجّحه عياض وغيره، قالوا: والأمر ههنا وإن قلنا إنه للإِرشاد لكنه استحق الذم بتوقّفه عن الامتثال، وقيل: كان الرجل أشرف على هلكة من الجهد. وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة: فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب. فعلى هذا هي إخبار، وقيل: هي كلمة تدعم به العرب كلامها، ولا يُقصد معناها كقولهم: لا أمَّ لك. واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجباً أو متطوِّعاً به، لكونه صلّى الله عليه وسلّم لم يستفصل صاحبَ الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف. وبالجواز مطلقاً قال عروة بن الزبير، ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، لكن نقل القسطلاني عن "تنقيح المُقنع" من كتب الحنابلة - وعليه الفتوى عندهم - أنّ له ركوبها لحاجة ويضمن نقصَها كمذهب الحنفية. وجزم النووي بالأول في "الروضة" تبعاً لأصله في الضحايا، ونقله في "شرح المهذب" عن القفّال والماوردي، ثم نقل فيه عن أبي حامد والبندنجي وغيرهما تقييده بالحاجة وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق. وقيّد صاحب "الهداية" من الحنفية جواز ركوبها بالاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشَّعبي عند ابن أبي شيبة. وقال ابن العربي عن مالك: يركب للضرورة فإذا استراح نزل. وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقاً، نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنّع عليه. قال الحافظ: ولكنْ الذي نقله الطحاوي وغيره الجواز بقدر