للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشتدت بالأنفس الكروب، وتداعوا للنزال، وتزاحفوا للقتال، وتخالسوا المهج١، واقتحموا بالسيوف اللجج قال: أحسنت والله يابن صوحان، إنك لسليل أقوام كرام، خطباء فصحاء، ما ورثت هذا عن كلالة٢، زدني، قال: "نعم، الفارس كثير الحذر، مدير النظر، يلتفت بقلبه، ولا يدير خرزات صلبه٣". قال: أحسنت والله يابن صوحان الوصف، فهل في مثل هذه الصفة من شعر؟ قال: نعم، لزهير بن جناب الكلبي٤ يرثى ابنه عمرًا حيث يقول:

فارس تُكلا الصحابة منه ... بحسام يمرُّ مرَّ الحريق٥

لا تراه لدى الوغى في مجال ... يغفل الصرب لا، ولا في مضيق

من يراه يخله في الحرب يوما ... أنه أخرق مضل الطريق٦

في أبيات، فقال له ابن عباس: فأين أخواك منك يابن صوحان؟ صفهما لأعرف ورثكم، قال: أما زيد، فكما قال أخو غنيّ٧:


١ المهج جمع مهجة: وهي الروح، وتخالسوها تبادلوا اختلاسها واستلابها.
٢ تقول العرب: لم يرثه كلالة أي لم يرثه عن عرض بل عن قرب واستحقاق، وقال الفرزدق:
ورثتم قناة الملك غير كلالة ... عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
والكلالة: ما لم يكن من النسب لحا، وبنو العم الأباعد، وحكي عن أعرابي أنه قال: مالي كثير ويرثني كلالة متراخ نسبهم، وكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد له فهو كلالة موروثه.
٣ أي فقرات ظهره.
٤ شاعر جاهلي، وهو أحد المعمرين.
٥ كلأه: حفظه وحرسه.
٦ الأخرق: الأحمق، أما قوله في أول البيت: "من يراه" فهو مثل:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
ومثل:
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
... إلخ، وقد قال النحويون في ذلك إن إثبات حرف العلة مع الجازم لغة، وقيل ضرورة، وقيل هو حرف إشباع، والحرف الأصلي محذوف للجازم. وعندي أنه ربما كان الأصل "من رآه" وعليه فلا محذور، مع استقامة وزن البيت.
٧ هو كعب بن سعد الغنوي "شاعر جاهلي" والأبيات المذكورة من قصيدة له يرثي بها أخاه أبا المغوار وأولها:
تقول سليمى ما لجسمك شاحبًا ... كأنك يحميك الطعام طبيب
"انظر في الأمالي ٢: ١٥٠، والعقد الفريد ٢: ١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>