للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من محسنهم، وتتجاوز عن مسيئهم" فقال معاوية: "هيهات، هيهات؟ لا والله ما تأمن النعجة الذئب وقد أكل ألْيَتَها١". فقال ابن الزبير: "مهلا يا معاوية، فإن الشاة لتدر٢ للحالب، وإن المدية في يده، وإن الرجل الأريب ليصانع ولده الذي خرج من صلبه، وما تدور الرحاء إلا بقطبها٣، ولا تصلح القوس إلا بعجبها٤" فقال: "يا أبا خبيب، لقد أجررت الطروقة قبل هباب الفحل٥، هيهات! وهي لا تصطك لحيائها اصطكاك القروم السوامي٦". فقال ابن الزبير: "العطن بعد العل، والعل بعد النهل٧ ولا بد للرحاء من الثفال٨ ثم نهض ابن الزبير"، فلما كان العشاء أخذت قريش مجالسها، وخرج معاوية على بني أمية، فوجد عمرو بن العاص فيهم، فقال: ويحكم يا بني أمية! أفيكم من يكفيني ابن الزبير؟ فقال عمرو: أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين قال: ما أظنك تفعل، قال: "بلى، والله لأربدن٩ وجهه، ولأخرسن لسانه، ولأردنه ألين من خميلة١٠". فقال: دونك، فاعرض له إذا دخل، فدخل ابن الزبير -وكان قد بلغه كلام معاوية وعمرو- فجلس نصب عيني عمرو، فتحدثوا ساعة، ثم قال عمرو:

وإني لنار ما يطاق اصطلاؤها ... لديَّ كلام معضل متفاقم١١

فأطرق ابن الزبير ساعة ينكث في الأرض، ثم رفع رأسه وقال:


١ الألية: ما ركب العجز من شحم ولحم.
٢ در اللبن وغيره من بابي ضرب وقتل، ودرت الناقة بلبنها أدرته.
٣ قطب الرحا: ما تدور عليه، والرحاء ممدود الرحا.
٤ العجب: مؤخر كل شيء.
٥ ناقة طروقة الفحل: بلغت أن يضربها الفحل، وأجره رسنه: جعله يجره، وهب الفحل من الإبل وغيرها هبابًا وهبيبًا: أراد السفاد.
٦ تصطك: تضطرب. والقروم: جمع قرم بالفتح وهو الفحل، والسوامي جمع سام: وصف من سما الفحل سماوة: تطاول على شوله "والشُّوَّل كركع جمع شائل وهي الناقة تشول بذنبها للقاح".
٧ العطن: مبرك الإبل حول الحوض، والعل والعلل: الشرب الثاني، والنهل: الشرب الأول.
٨ الثفال: جلد أو نحوه يبسط تحت الرحى ليقع عليه الطحين.
٩ أي لأصيرنه أربد، من الرُّبدة بالضم: وهي لون إلى الغبرة.
١٠ الخميلة: القطيفة، وفي الأصل: "ولأوردنه" وهو تحريف.
١١ تفاقم الأمر: عظم.

<<  <  ج: ص:  >  >>