للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإني لبحر ما يسامَى عبابُه ... متى يلقَ بحري حرّ نارك تخمد

فقال عمرو: والله يابن الزبير إنك ما علمتُ لمتجلبب جلابيب الفتنة، متأزر بوصائل١ التيه، تتعاطى الذّرى الشاهقة، والمعالي الباسقة، وما أنت من قريش في لباب جوهرها ولا مؤنق٢ حسبها". فقال ابن الزبير: "أما ما ذكرت من تعاطي الذرى؛ فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله، أنف حمي، وقلب ذكي، وصارم مشرفي، في تلبيد فارع٣، وطريف مانع، إذ قدع بك انتفاخ سحرك٤، ووجيب٥ قلبك، وأما ما ذكرت من أني لست من قريش في لباب جوهرها، ومؤنق حسبها، فقد حضرتني وإياك الأكفاء، العالمون بي وبك، فاجعلهم بيني وبينك، فقال القوم: قد أنصفك يا عمرو. قال: قد فعلت، فقال ابن الزبير: "أما إذ أمكنني الله منك فلأربدن وجهك، ولأخرسن لسانك، ولترجعن في هذه الليلة، وكأن الذي بين منكبيك مشدود إلى عروق أخدعيك٦، ثم قال: أقسمت عليكم يا معاشر قريش، أنا أفضل في دين الإسلام أم عمرو؟ فقالوا: اللهم أنت، قال: فأبي أفضل أم أبوه؟ قالوا: أبوك حواري رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله وابن عمته، قال: فأمي أفضل أم أمه؟ قالوا: أمك أسماء بنت أبي بكر الصديق، وذات النطاقين، قال: فعمتي أفضل أم عمته؟ قالوا: عمتك سلمى بنت العوام صاحبة رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل من عمته، قال: فخالتي أفضل أم خالته؟ قالوا: خالتك عائشة أم المؤمنين، قال: فجدتي أفضل أم جدته؟ قالوا: جدتك صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فجدي أفضل أم جده؟ قالوا: جدك أبو بكر الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:

قضت الغطارف من قريش بيننا ... فاصبر لفضل خصامها وقضائها


١ الوصائل: جمع وصيلة، وهي ثوب مخطط يمان.
٢ آنقني الشيء إيناقًا: أعجبني، فهو مؤنق وأنيق: أي حسن معجب.
٣ فارع: عالٍ.
٤ السحر ويحرك ويضم: الرئة، وانتفخ سحره: عدا طوره وجاوز قدره.
٥ خفقان واضطراب.
٦ الأخدعان: عرقان في موضع الحجامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>