للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمدي١ الذي لا يزول، أتكونون كمن طرفت٢ عينَه الدنيا، وسدت مسامعُه الشهواتُ، واختار الفانيةَ على الباقيةِ، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدثَ الذي لم تسبقوا إليه، من ترككم للضعيف يُقهر ويؤخذ مالُه، هذه المواخير٣ المنصوبة، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعددُ غيرُ قليل، ألم يكن منكم نُهاةٌ، تمنعُ الغُوَاةَ٤ عن دَلَج٥ الليل، وغارةِ النهار؟ قربتم القرابة، وباعدتم الدين! تعتذرون بغير العذر، وتغضون على المختلس، كل امرئ منكم يذب٦ عن سفيه، صنيعَ من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادًا، ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء؛ فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم، حتى انتهكوا حرم٧ الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم، كُنُوسًا في مكانسِ الرِّيب٨ حرامٌ عليَّ الطعام والشراب، حتى أسويها بالأرض هدمًا وإحراقًا.

إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف،


١ الدائم.
٢ طرف عينه: أصابها بشيء فدمعت، وطرف بصره: أطبق أحد جفنيه على الآخر، وطرفه عنه كضربه: صرفه ورده.
٣ جمع ماخور وهو بيت الريبة معرب أو عربي من مخرت السفينة لتردد الناس إليه.
٤ جمع ناه، وغواة جمع غاو.
٥ السير من أول الليل، وقد أدلجوا، فإن ساروا من آخره فادلجوا بالتشديد.
٦ يدفع.
٧ جمع حرمة، وهي ما لا يحل انتهاكه. روى الشعبي قال: "لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة ونزل، سمع تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون، فقال: ما هذا؟ قالوا: إن البلد مفتون، وإن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق، فيقال لها: نادي ثلاثة أصوات، فإن أجابك أحد، وإلا فلا لوم علينا فيما نصنع! ".
٨ كنوس جمع كانس: أي مستتر كقعود وجلوس جمع قاعد وجالس، وأصله من كنس الظبي كضرب: دخل في كناسه "ككتاب" وهو مستتره من الشجر، ويجمع كانس أيضًا على كنس "كركع" ومنه الجواري الكنس "وهي الخنس" وهي الكواكب السيارة، أو النجوم الخمسة: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد؛ لأنها تكنس في المغيب كالظباء في الكنس "ككتب"، أو هي كل النحوم لأنها تبدو ليلًا وتختفي نهارًا "وخنوسها أنها تغيب كما يخنس الشيطان إذا ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ" ومكانس الريب: مكامنها المستترة جمع مكنس كمجلس.

<<  <  ج: ص:  >  >>