للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيتًا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرًا دفناه حيًّا فيه، فكفوا عني أيدكم وألسنتكم، أكفف عنكم يدي ولساني، ولا تظهر من أحد منكم ريبة بخلاف١ ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه، وقد كانت بيني وبين أقوام إحن٢؛ فجعلت ذلك دَبْرَ أذني٣ وتحت قدمي، فمن كان منكم محسنًا فليزدد إحسانًا، ومن كان منكم مسيئًا فلينزع عن إساءته، إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلُّ من بغضي لم أكشف له قناعًا، ولم أهتك له سترًا، حتى يبدي لي صفحته٤، فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئس بقدومنا سيُسرُّ، ومسرورٌ بقدومنا سيبتئس.

أيها الناس: إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا٥؛ فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا، واعلموا أني مهما قصرت عنه، فلن أقصر عن ثلاث: لست محتجبًا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقًا بليل، ولا حابسًا عطاء ولا رزقًا عن إبانة٦، ولا مجمرًا٧ لكم بعثًا، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم؛ فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا له حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرًّا لكم. أسأل الله أن يعين كلا على كل، وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر، فأنفذوه على


١ أي تخالف ما اجتمع عليه عامة القوم.
٢ جمع إحنة: وهي الحقد والضغينة.
٣ أي خلف أذني، وقد اقتبسها من كلام معاوية كما مر بك.
٤ أي يجاهرني بالعدواة.
٥ ملكنا، والفيء: ما كان شمسا فينسخه الظل، والخراج، أي ندفع عنكم بظل الله ونعمته التي وهبنا، أو ندفع عنكم بما صار في أيدينا من أموال الخراج.
٦ وقته وموعده.
٧ جمر الجند: حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>