للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقطعت ساقه؛ فضمها إليه، حتى مرَّ به الذي قطعها، فرماه بها فجدله١ عن دابته، ثم جثا إليه فقتله واتكأ عليه، فمر به الناس، فقالوا له: يا حكيم، من قطع ساقك؟ قال: وسادى٢ هذا، وأنشأ يقول:

يا ساق لا تراعي ... إن معي ذراعي

أحمي بها كراعي٣

وأما أسخى الناس فعبد الله بن سوار، استعمله معاوية على السند؛ فسار إليها في أربعة آلاف من الجند، وكانت توقد معه نار حيثما سار، فيطعم الناس، فبينما هو ذات يوم إذ أبصر نارًا، فقال: ما هذه؟ قالوا: أصلح الله الأمير، اعتل بعض أصحابنا، فاشتهى خبيصًا٤، فعملنا له، فأمر خبازه ألا يطعم الناس إلا الخبيص، حتى صاحوا وقالوا: أصلح الله الأمير، ردنا إلى الخبز واللحم، فسمي مطعم الخبيص.

وأما أطوع الناس في قومه؛ فالجارود بن بشر بن العلاء؛ فإنه لما قبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب، خطب قومه؛ فقال:

"أيها الناس: إن كان محمد قد مات، فإن الله حي لا يموت، فاستمسكوا بدينكم، فمن ذهب له في هذه الردة دينار أودرهم أو بعير أو شاة، فله عليَّ مِثْلاه" فما خالفه منهم رجل.

وأما أحضر الناس جوابًا، فصعصة بن صوحان، دخل على معاوية في وفد أهل العراق، فقال معاوية: مرحبًا بكم يا أهل العراق، قدمتم أرض الله المقدسة، منها المنشر، وإليها المحشر، قدمتم على خير أمير يَبَرُّ كبيرَكم، ويرحمُ صغيرَكم، ولو أن الناس كلهم ولد أبي سفيان لكانوا حلماءَ عقلاءَ؛ فأشار الناس إلى صعصعة فقام:

فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال:


١ جدله: صرعه على الجدالة "كسحابة" وهي الأرض.
٢ الوساد: المتكأ، والمخدة كالوسادة ويثلث.
٣ لا تراعي: لا تفزعي، والكراع: جماعة الخيل.
٤ الخبيص: نقى الدقيق يخلط بالعمل، والخبيصة: أخص منه، وخبص الحلواء كضرب، وخبصها: بالتشديد خلطها وعملها.

<<  <  ج: ص:  >  >>