للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو الأسود: أصلح الله أمير المؤمنين، إنها مطلقة، ومن أكثر كلامًا من مطلقة؟ فقال لها معاوية: إذا كان رواحًا١ فتعاليْ أفصل بينك وبينه بالقضاء.

فلما كان الرواح جاءت ومعها ابنها قد احتضنته؛ فلما رآها أبو الأسود قام إليها لينتزع ابنه منها، فقال له معاوية: يا أبا الأسود، لا تعجل المرأة أن تنطق بحجتها، قال: يا أمير المؤمنين، أنا أحق بحمل ابني منها، فقال له معاوية: يا أبا الأسود دعها تقل، فقال: "يا أمير المؤمنين، حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه"، فقالت: "صدق والله يا أمير المؤمنين: حمله خِفًّا، وحملته ثِقْلًا، ووضعَه شهوة ووضعتُه كرهًا، إن بطني لوعاؤه، وإن ثديي لسقاؤه، وإن حجري لفناؤه، فقال معاوية: سبحان الله لما تأتين به! فقال أبو الأسود: إنها تقول الأبيات من الشعر فتجيدها، فقال معاوية: إنها قد غلبتك في الكلام، فتكلف لها أبياتا لعلك تغلبها؛ فأنشأ أبو الأسود يقول:

مرحبًا بالتي تجورُ علينا ... ثم سهلًا بالحامل المحمول

أغلقت بابها علي وقالت: ... إن خير النساء ذات البعول

شغلت نفسها علي فراغًا ... هل سمعتم بالفارغ المشغول؟

فأجابته وهي تقول:

ليس من قال بالصواب وبالحـ ... ق كمن جار عن منار السبيل

كان ثديي سقاءه حين يضحى ... ثم حجري فناؤه بالأصيل

لست أبغي بواحدي يا ابن حرب ... بدلًا ما علمته والخليل٢

فأجابها معاوية:

ليس من غذاء حينًا صغيرًا ... وسقاه من ثديه بخذول


١ أي إذا كان الوقت رواحًا، والرواح: العشي.
٢ أي أقسم بخليل الله وهو سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>