للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمن دان١ لها، وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد، إلى آخر المسند٢، هل زودتهم إلا السغب٣،وأحلتهم إلا الضنك، أو نورت لهم إلا الظلمة، أو أعقبتهم إلا الندامة؟ أفهذه تؤثرون، أم على هذه تحرصون، أم إليها تطمئنون؟ يقول الله جل ذكره: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؛ فبئست الدار لمن لم يتهمها، ولم يكن فيها على وجل منها.

فاعلموا -وأنتم تعلمون- أنكم تاركوها لا بد؛ فإنما هي كما وصفها الله باللعب واللهو وقد قال الله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} ٤، واتعظوا فيها بالذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} ، حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانًا، وأنزلوا الأجداث فلا يدعون٥ ضيفانا، وجعل لهم من الصريح أكنان، ومن التراب أكفان، ومن الرفات جبران٦؛ فهم حيرة لا يجيبون داعيًا، ولا يمنعون ضيمًا، ولا يبالون مندبة٧، إن أخصبوا٨ لم يفرحوا، وإن قحطوا٩ لم يقنطوا، جمع وهم آحاد، وجبرة وهم آباد، متناهون لا يزورون ولا يزارون، حلماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء


١ أي خضع لها وذل، وفي رواية: "لمن رادها" أي طلبها: رودًا، وأخلد إليها: مال.
٢ المسند: الدهر، وفي رواية "إلى آخر الأمد".
٣ الجوع، وفي رواية: "الشقاء" والضنك: الضيق.
٤ نزلت في عاد قوم هود، الريع: المرتفع من الأرض، آية: أي أبنية وقصور يفتخرون بها، ويعثبون بالفقراء، ويتطاولون عليهم من أجلها، والمصانع: المباني من القصور والحصون.
٥ وفي رواية "فلا يرعون" أي فلا يرعاهم أحد.
٦ الأكنان جمع كن بالكسر: وهو وقاء كل شيء وستره. والضريح: القبر أو الشق وسطه، وفي رواية: "وجعل لهم من الصفيح أجنان" والأجنان جمع جنن كسبب: وهو القبر، والصفيح: الحجارة العراض، والرفات: العظام البالية.
٧ المندبة: الندب على الميت.
٨ وفي رواية: "إن جيدوا" من جادهم الغيث إذا أمطروا.
٩ قحط الناس كمنع، وقحطوا وأقحطوا مبنيين لمجهول "قليلتان"، وبكل روي.

<<  <  ج: ص:  >  >>