للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرًا، وذي نخوة قد ردته ذليلًا، وكم من ذي تاج قد كبته١ لليدين والفم، سلطانها دول؛ وعيشها رنق وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام٢ وأسبابها رمام٣، وقطاعها سلع٤، حبها بمرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعتها بعرض اهتضام، مليكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وسليمها منكوب، وجامعها محروب٥، مع أن وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} .

ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارًا، وأوضح منكم آثارًا، وأعد عديدًا، وأكثف جنودًا، وأعتد عتادًا٦، وأطول عمادًا، تعبدوا٧ للدنيا أي عبد! وآثروها أي إيثار وظعنوا عنها بالكره والصغار! فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب٨؟ بل قد أرهقتهم بالفوادح٩، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالمصائب١٠، وقد رأيتم تنكرها.


١ صرعته وقلبته.
٢ رفق الماء كفرح ونصر: كدر، فهو رنق كعدل وكتف وجبل، وأجاج: ملح مر، وسمام جمع سم مثلث السين.
٣ أسباب جمع سبب: وهو الحبل، ورمام: بالية، حبل أرمام، ورمام: أي بال.
٤ السلع: شج مر، أو سم: أو ضرب من الصبر، أو بقلة خبيثة الطعم.
٥ مسلوب، من حربه حربا كطلبه طلبًا: سلب ماله فهو محروب وحريب، وفي رواية: "وجارها محروب".
٦ العتاد: العدة، وقد عتد ككرم عتادًا فهو عتيد: أي حاضر مهيأ معد، وفي رواية: "وأعند عنودًا" من عند عن الطريق كنصر وسمع وكرم عنودا: أي مال، وفي رواية: "وأشد عقودًا".
٧ أي استعبدتهم الدنيا، تعبده اتخذه عبدًا.
٨ أي بشأن وأمر.
٩ الفوادح: النوائب المثقلة، من فدحه الدين إذا أثقله، وفي رواية: "وأوهقتهم" أي جعلتهم في الوهق بفتح الهاء وتسكينها: وهو حبل كالطول.
١٠ وفي رواية: "وعقرتهم بالفجائع"، وفي رواية "وعفرتهم للمناخر، ووطئتهم بالمناسم"، عفرتهم للمناخر: ألصقت أنوفهم بالعفر "كسيب ويسكن"، وهو التراب والمناخر جمع منخر بفتح الميم والخاء، وبكسرهما، وبضمها وكمجلس: الأنف، والمناسم جمع منسم كمجلس وهو خف البعير.

<<  <  ج: ص:  >  >>