للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: أي بني، لا تزهدن في معروف، فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب، على الشاهد والغائب، فكم من راغب أصبح مطلوبا ما لديه، واعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان ير الهوان، وكن أي بني كما قال أبو الأسود الدؤلي:

وعد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك، إذا ما جاء للعرف طالب١

وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده ... يكن هينا ثقلا على من يصاحب

فلا تمنعن ذا حاجة جاء طالبا ... فإنك لا تدري متى أنت راغب

رأيت التِوا هذا الزمان بأهله ... وبينهم فيه تكون النوائب٢

ثم قال: أي بني، كن جوادا بالمال في موضع الحق، بخيلا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، وإن أحمد بخل الحرّ الضنّ٣ بمكتوم السر، وكن كما قال قيس بن الخطيم الأنصاري:

أجود بمكنون التلاد وإنني ... بسرك عمن سالني لضنين٤

إذا جاوز الاثنين سر فإنه ... بنث، وتكثير الحديث قمين٥

وعندي له يوما إذا ما ائتمنتني ... مكان بسوداء الفؤاد مكين٦

ثم قال: أي بني، وإن غلبت يوما على المال، فلا تدع الحيلة على حال، فإن الكريم يحتال، والدني عيال٧، وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا، أقل


١ العرف: المعروف.
٢ التوا أصله التواء؛ قصره؛ لضرورة الشعر، التوى به الزمان: اعوج.
٣ الضن بالكسر والضنانة بالفتح: البخل.
٤ سال يسال من باب خاف لغة في سأل المهموز، وليس مسهلا للوزن كما ظن بعضهم.
٥ نث الحديث: أفشاه، وقين: جدير، وقطع همزة الإثنين؛ للضرورة.
٦ سوداء الفؤاد؛ وسويداؤه، وسواده، وأسوده: حيته.
٧ العيال جمع عيل كجيد: وهو ما يلزم الإنفاق عليه، ويكون اسما للواحد "كما استعمله هنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>