للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تكون في الباطن مالا، فإن الكريم من كرمت طبيعته، وظهرت عند الإنفاد١ نعمته، وكن كما قال ابن خذاق العبدي٢:

وجدت أبي قد اورثه أبوه ... خلالا قد تعد من المعالي٣

فأكرم ما تكون علي نفسي ... إذا ما قل في الأزمات مالي

فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... ويجمل عند أهل الرأي حالي

وإن نلت الغنى لم أغلُ فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالي٤

ثم قال: أي بني، وإن سمعت كلمة من حاسد، فكن كأنك لست بالشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها٥، رجع العيب على من قالها، وكان يقال: الأريب العاقل، هو الفطن المتغافل، وكن كما قال حاتم الطائي:

وما من شيمتي شتم ابن عمي ... وما أنا مخلف من يرتجيني

وكلمة حاسد في غير جرم ... سمعت فقلت مري فانفذيني٦

فعابوها علي ولم تسؤني ... ولم يعرق لها يوما جبيني

وذو اللونين يلقاني طليقا ... وليس إذا تغيب يأتليني٧

سمعت بعيبه فصفحت عنه ... محافظة على حسبي وديني

ثم قال: أي بني، لا تؤاخ امرأ حتى تعاشره، وتتفقد موارده ومصادره، فإذا استطعت العشرة، ورضيت الخبرة٨، فواخه على إقالة العثرة؛ والمواساة في العسرة، وكن كما قال المقنع الكندي:

ابل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن فعالهم وتفقد


١ الفقر.
٢ هو يزيد بن خذاق شاعر قديم.
٣ ينقل حركة الهمزة من أورثه إلى الدال من قد.
٤ الموالي جمع مولى: هو هنا القريب.
٥ قعد حياله وبحياله: بإزائه، أي إن تركتها تجري في مجراها.
٦ نفذهم: جازهم.
٧ ائتلى: قصر، أي لا يقصر في نهشي عرضي.
٨ الخبر والخبرة بكسر الحاء فيهما، ويضمان: العلم بالشيء كالاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>