للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٥- وصية عمرو بن كلثوم لبنيه:

أوصى عمرو بن كلثوم التَّغْلَبي؛ فقال: يا بني إني بلغت من العمر ما لم يبلغ أحد من آبائي وأجدادي، ولا بد من أمر مقتبل، وأن ينزل بي ما نزل بالآباء والأجداد، والأمهات والأولاد، فاحفظوا عني ما أوصيكم به: إني والله ما عيرت رجلًا قط أمرًا إلا عير بي مثله، إن حقًّا فحقًّا، وإن باطلًا فباطلًا، ومن سب سب، فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لأعراضكم، وصلوا أرحامكم، تعمر داركم، وأكرموا جاركم يحسن ثناؤكم، وزوجوا بنات العم بني العم؛ فإن تعديتم بهن إلى الغرباء، فلا تألوا بهن الأكفاء، وأبعدوا بيوت النساء من بيوت الرجال؛ فإنه أغض للبصر، وأعف للذكر، ومتى كانت المعاينة واللقاء؛ ففي ذلك داء من الأدواء ولا خير فيمن لا يغار لغيره. كما يغار لنفسه، وقل من انتهك حرمة لغيره إلا انتهكت حرمته، وامنعوا القريب من ظلم الغريب، فإنك تذل على قريبك، ولا يحل بك ذل غريبك وإذا تنازعتم في الدماء فلا يكن حقكم للقاء، فرب رجل خير من ألف، وود خير من خلف، وإذا حدثم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار يكون الإهذار١، وموت عاجل خير من ضنى آجل، وما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان، وربما شجاني من لم يكن أمره عناني، وما عجبت من أحدوثه إلا رأيت بعده أعجوبة، واعلموا أن أشجع القوم العطوف، وخير الموت تحت ظلال السيوف، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا فيمن إذا عوتب لم يعتب٢، ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره، فبكؤه٣ خير من دره، وعقوقه خير من بره، ولا تبرحوا في حبكم، فإنه من برح في حب، آل


١ أهذر: هذى.
٢ لم يرض.
٣ بكأت الناقة بكئًا قل لبنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>