للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع١

فقالت بغير روية: ما أنا ليحيى بتميمة يا أمير المؤمنين، وقد قال الأول٢:

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذُخْرًا يكون كصالح الأعمال

هذا بعد قول الله عز وجل {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} . فأطرق هارون مليًّا، ثم قال: يا أمَّ الرشيد أقول:

إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تُقْبَل

فقالت: يا أمير المؤمنين وأقول:

ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أي كفٍّ تَبَدَّلُ٣

قال هارون: رضيت، قالت: فهَبْه لي يا أمير المؤمنين، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من ترك شيئًا لله، لم يوجده٤ الله لِفَقْدِه" فأكبَّ هارون مليًّا، ثم رفع رأسه يقول: {للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد} قالت: يا أمير المؤمنين {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} واذكر يا أمير المؤمنين ألِيَّتك٥ ما استشفعت إلا شفعَّتني. قال: واذكري يا أم الرشيد ألِيَّتك أن لا شفعت لمقترف ذنبًا، فلما رأته صرَّح بمنعها، ولاذ٦ عن مطلبها، أخرجت حُقًّا من زُمُرُّدة٧ خضراء، فوضعته بين يديه، فقال الرشيد: ما هذا؟ ففتحت عنه قُفلا من ذهب؛ فأخرجت منه خَفْضَته٨ وذوائبه وثناياه، قد غمست جميع ذلك في المسك، فقالت: يا أمير المؤمنين، أستشفع إليك، وأستعين بالله عليك،


١ التمائم جمع تميمة: وهي العودة التي تعلق على الصبي دفعًا للعين، أو المرض والبيت لأبي ذؤيب الهذلي.
٢ هو الأخطل.
٣ هذا البيت والذي قبله من قصيدة لمعن بن أوس المزني مطلعها:
لعمرك ما أدري، وإني لأوجل ... على أيّنا تعدو المنية أول؟
٤ أي يحزنه.
٥ الألية: القسم.
٦ أي لم يجبه.
٧ الزمرد والزمرذ بالدال والذال.
٨ خفض الجارية كضرب خفضا، وهو كالختان للغلام، وقيل: خفض الصبي ختنه، فاستعمل في الرجل، والأعرف أن الخفض للمرأة والختان للصبي، ويقال للجارية خفضت، وللغلام ختن.

<<  <  ج: ص:  >  >>