للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما لو أطلعني الله تعالى عليه لساءني، لكن الحمد لله الذي حفظ ما بين القلوب بستْر بعضها عن بعض، فيما يجول فيها، وإنك لذو همة ومطْمَح، ومن يكن هكذا يصبر ويَغْضِ ويحمل، ويُبٍدل بالعقاب الثواب، ويصيِّر الأعداء من قبيل الأصحاب، ويصبر من الشخص على ما يسوء، فقد يَرَى منه بعد ذلك ما يَسُرّ، ولقد يَخِفُّ عليَّ اليوم مَنْ قاسيتُ من فعله وقوله ما لو قطَّعتهم عضوا عضوا لما ارتكبوه مني، ما شفيتُ منهم غيظي، ولكن رأيت الإغضاء والاحتمال، لاسيما عند الاقتدار أولى، ونظرت إلى جميع من حولي ممن يحسن ويسيء، فوجدت القلوب متقاربة بعضها من بعض، ونظرت إلى المسيء يعود محسنًا، والمحسن يعود مسيئًا، وصرتُ أندم على من سبق له مني عقاب، ولا أندم على من سبق له مني ثواب؛ فالْزَم يا بني معاليَ الأمور، وإنَّ جِمَاعَها في التغاضي، ومن يتغاض لا يسلم له صاحب، ولا يُقْرَب منه جانب، ولا ينال ما تترقَّي إليه همته، ولا يظفر بأمله، ولا يجد معينًا حين يَحْتَاج إليه".

فقبَّل المنذر يده وانصرف، ولم يزل يأخذ نفسهُ بما أوصاه والده، حتى تخلّق بالخلق الجميل، وبلغ ما أوصاه به أبوه ورُفع قدره.

"نفح الطيب ٢: ٣٢٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>