للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استملحهُ منه، وقد أمرنا لك بما لا يَقْصُر عن ذلك، ما هو أنْوَهُ وأحسن عائِدةً، وكتب له بمال وخِلَع وموضع يعيش منه، ثم رد رأسه إلى التكلم في شأن الرَّمَادي -وقد كان يغوص في الأرض لو وجد، لشدة ما حلَّ به مما رأى وسمع- وقال: "والعَجَبُ من قوم يقولون: الابتعاد من الشعراء أولى الاقتراب، نعم. ذلك لمن ليس له مفاخرُ، يريد تخليدَها، ولا أياد يرغب في نشرها، فأين الذين قيل فيهم:

على مكثرِيهم رزق من يعتريهِم ... وعند المُقِلِّين السَّمَاحة والبَذْل١

وأين الذي قيل فيه:

إنما الدنيا أبو دُلَفٍ ... بين مَبْدَاه ومُحْتَضَره

فإذا وَلَّي أبو دُلَف ... ولَّتْ الدنيا على أَثَرِه٢

أما كان في الجاهلية والإسلام أكرمُ ممن قيل فيه هذا القول؟ بلى، ولكن صُحْبة الشعراء والإحسان إليهم، أحْيَتْ غابِرَ ذكراهم، وخَصَّتْهُم بمفاخر عصرهم، وغيرهم لم تخلِّد الأمداحُ٣ مآثِرَهم، فَدَثَرَ ذكرهم، ودَرَسَ فَخْرَهم".

"نفح الطيب ٢: ٢٢٦".


١ البيت لزهير بن أبي سلمى من قصيدة في مدح آل هرم بن سنان.
٢ البيتان لعلي بن جَبَلة الأنباري الملقب بالعكوك من قصيدة قالها في مدح أبي دلف القاسم بي عيسى العجلي -وكان جوادًا ممدحًا وفيها يقول:
كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعير منه مكرمة ... يكتسبها يوم مفتخره
وهذا البيتان الأخيران أحفظا عليه المأمون، فطلبه حتى ظفر به، فسل لسانه من قفاه، ويقال: بل هرب ولم يزل متواريًا منه حتى مات، قال صاحب الأغاني: "وهذا هو الصحيح من القولين، والآخر شاذ".
٣ لم أجد هذا الجمع في كتب اللغة، وإنما الذي فيها: "المدحة بالكسر والمديح والأمدوحة بالضم: ما يمدح به، والجمع مدح كعنب ومدائح وأماديح".

<<  <  ج: ص:  >  >>