للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حوادث الأيام كلما نزلت، ولا تَضِجّوا للأمراض إذا أَعْضَلت، فكلٌ منقرض حقير، وكل منقضٍ وإن طال قصير، وانتظروا الفَرَج، وانتَشِقُوا من جناب الله تعالى الأَرَج١، وأوسِعُوا بالرجاء الجوانح، واجنحوا إلى الخوف من الله تعالى فطُوبَى لعبد إليه جانح، وتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء، والجئوا إليه في البأساء والضراء، وقابلوا نعم الله تعالى بالشكر الذي يقيَّده به الشارد، ويعذَّب الوارد، وأَسْهِمُوا٢ منها للمساكين وأفضلوا عليهم، وعَيِّنُوا الحظُوظ منها لديهم؛ فمن الآثار: "يا عائشة أحسني جوار نعم الله، فإنها قلَّما زالت عن قوم فعادت إليهم"، ولا تطغوا في النعم وتقصِّرُوا عن شكرها، وتغلبكم٣ الجهالة بِسُكْرها، وتتوهموا أن سعيكم جَلَبَها، وجِدّكُم حلبها، فالله خير الرازقين، والعاقبة للمتقين، ولا فعل إلا الله إذا نُظِر بعين اليقين، والله الله لا تنسوا الفضل بينكم، ولا تذهبوا بذهابه زَيْنَكم، وليلتزم كل منهم لأخيه، ما يشتد به تَوَاخيه، بما أمكنه من إخلاص وبِرّ، ومراعاة في علانية وسر، وللإنسان مزِيّة لا تجهل، وحق لا يُهْمَل، وأظهروا التعاضد والتناصر، وصلوا التَّعاهد والتَّزاور، وتُرْغِموا بذلك الأعداء، وتَسْتَكْثِروا الأوِدَّاء، ولا تتنافسوا في الحظوظ السخيفة، ولا تتهارشوا تَهَارُش السباع على الجِيْفَة. واعلموا أن المعروف يَكْدَر بالامتنان، وطاعة النساء شرّ ما أفسد بين الإخوان، فإذا أسديتم معروفًا فلا تذكروه، وإذا برز قبيح فاستروه، وإذا أعظم النساء أمرا فاحْقِرُوه، والله الله لا تنسوا مُقَارَضَة سَجْلِي٤، وبَرُّوا أهل مودَّتي من أجلي، ومن رُزِق منكم مالا بهذا الوطن القلق المهاد، الذي لا يصلح لغير الجهاد، فلا يستهلكه أجمع في العَقَار، فيصبح عُرْضَة للمذلَّة والاحتقار، وساعيًا لنفسه -إن تغلَّب العدو على بلده-


١ الأرج: توهج ريح الطيب.
٢ أسهم له: أعطاه سهما.
٣ في الأصل: "وتلقيكم" وأراه محرفا عن "وتغلبكم".
٤ السجل: النصيب. والمعنى: أنكم مدينون لي مما قدمت لكم من معروفي، فلا تنسوا أن تردوه لي بإكرام من أراده.

<<  <  ج: ص:  >  >>