للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الافتضاح والافتقار، ومعوِّقًا عن الانتقال، أمام النُّوَب الثِّقال، وإذا كان رزق العبد على المولى، فالإجمال في الطلب أولى، وازهدوا جهدَكم في مصاحبة أهل الدنيا فخيرها لا يقوم بشرِّها، ونفعها لا يقوم بضرِّها، وأعقاب من تقدَّم شاهدة، والتواريخ لهذه الدعوى عاضِدَة، ومن بُلِيَ بها منكم فليستَظْهِر بِسَعَة الاحتمال، والتقلُّل من المال، وليحذر معاداة الرجال، ومَزَلَّات الإدلال، وفساد الخيال، ومداخلة العيال، وإفشاء السر، وسكر الاغترار، فإنه دَأْب الغِرّ، وليَصُنِ الديانة، ويؤْثِر الصمت ويلازم الأمانة، ويَسِرْ من رضا الله على أوضح الطرق، ومهما اشتبه عليه أمران قَصَدَ أقربهما إلى الحق، وليقفْ في التماس أسباب الجلال دون الكمال غير النقصان، والزعازعُ تسالم اللَّدان١ اللطيف من الأغصان، وإياكم وطلبَ الولايات رغبةً واستجلابًا، واستظهارًا على الخُطُوب وغِلَابًا، فذلك ضرر بالمُروءات والأقدار داعِ إلى النصيحة والعار، ومن امْتُحِنَ بها منكم اختيارًا، أو جُبِر عليه إكراها وإيثارًا، فليتلقَّ وظائفها بسعة صدره، ويبذل من الخير فيها ما يشهد أن قدرها دون قدره، فالولايات فتنة ومِحْنة، وأسر وإِحْنَة، وهي بين إِخْطاءِ سعادة. إخلالٍ بعبادة وتوقُّع عزل. وإدالة٢ بإزاء بيع جِدٍّ بهَزل، ومَزَلَّة قدم، واستتباع ندم ومآل العمر كله موت ومعاد، واقتراب من الله وابتعاد. وجعلكم الله ممن نفعه بالتبصير والتنبيه وممن لا ينقطع بسببه عمل أبيه. هذه -أسعدكم الله- وصيتي التي أصدرتها. وتجارتي التي لربحكم أدرتها. فتلقَّوها بالقبول لنصحها. والاهتداء بضوء صبحها. وبقدر ما أمضيتم من فروعها. واستغشيتم من دروعها. اقتنيتم من المناقب الفاخرة. وحصلتم على سعادة الدنيا والآخرة. وبقدر ما أضعتم لآلئها النفيسة القيم. استكثرتم من بواعث الندم. ومهما سئمتم إطالتها. واستغزرتم مقالتها، فاعلموا أن تقوى الله فَذْلَكَةُ٣ الحساب، وضابط هذا الباب. كان الله خليفتي عليكم في كل حال. فالدنيا


١ اللدن: اللين.
٢ الإدالة: الغلبة.
٣ فذلك حسابه كدحرج: أنهاه وفرغ منه، مخترعة من قوله إذا أجمل حسابه: فذلك كذا وكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>