للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين ذوو الراحات زادت حسرة ... إذ جنبوا إلى الثرى وانتقلوا١

لم تدفع الأحباب عنهم غير أن ... بَكَوا على فراقهم وأعولُوا

الله في نفسك أولى من له ... ذخرت نصحًا وعتابا يُقْبَل٢

لا تتركَنْها في عمىً وحيرة ... عن هول ما بين يديها تَغْفُل

حَقِّر لها الفاني، وحاول زُهْدَها ... وشوِّقها إلى الذي تستقبل

وفِدْ إلى الله بها مضطرة ... حتى ترى السير عليها يسهل٣

هو الفناء، والبقاء بعده ... والله عن حكمته لا يسأل

يا قرة العين ويا حسرتها ... يوم يُوَفَّى الناس ما قد عَمِلوا

يا طُرُد٤ المخالفة، إنكم مُدْرَكون، فاستبقوا باب التوبة، فإن ربَّ تلك الدار يجير ولا يُجَار عليه، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما هداكم، يا طُفَيْلَية الهمَّة، دُسُّوا أنفسكم بزمر التائبين، وقد دعوا دعوة الحبيب، فإن لم يكن أكلٌ فلا أقلَّ من طيب الوليمة، قال بعض العارفين: إذا عَقَدَ التائبون الصلح مع الله تعالى، انتشرت رعايا الطاعة في عمالة الأعمال، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ} معاني هذا المجلس والله نَسِيم سَحَر، إذ استنشقه مخمور الغَفْلَةِ أفاق، سَعُوط٥ هذا الوعظَ يَنْقُضُ٦ إن شاء الله زَكْمة البَطالة، إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، إِكْسِير٧ هذا الكتاب يلقَّب بحكمة جابر٨، القلوب المنكسرة عين من كان له قلب


١ جنبه: دفعه.
٢ أي: اتق الله في نفسك التي هي أولى.. إلخ.
٣ فد: أمر من وفد أي أقدم.
٤ الطريدة: ما طردت من صيد أو غيره.
٥ في الأصل "سوط" وأراه محرفًا عن "سعوط" كما يدل عليه سياق الكلام، والسعوط: الدواء يصب في الأنف.
٦ في الأصل "يبغض" وأراه "ينقض" أي يذهب.
٧ الإكسير: الكيمياء.
٨ يريد جابر بن حيان. قال ابن القفطي في تاريخ الحكماء في ترجمته "هو جابر بن حيان الصوفي الكوفي، وكان متقدمًا في العلوم الطبيعية، وفي صناعة الكيمياء.... إلخ" وذكره ابن زيدون في رسالته الهزلية، فقال: "وأظهرت جابر بن حيان على سر الكيمياء" قال ابن نباتة في سرح العيون: "وأما جابر بن حيان المذكور فلا أعرف له ترجمة صحيحة في كتاب يعتمد عليه، وهذا دليل على قول أكثر الناس أنه اسم موضوع وضعه المصنفون في هذا الفن، وزعموا أنه كان في زمن جعفر الصادق، وأنه إذا قال في كتبه: قال لي سيدي، وسمعت من سيدي، فإنه يعني به جعفرًا الصادق، وقد قدمنا لك أن جعفرًا الصادق توفي سنة ١٤٨هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>