للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باقتراب الموت علَلتُ نفسي ... بعد إِلْفِي، كلُّ آتٍ قريبُ

أين المعمًّر الخالد، أين الولد أين الوالد، أين الطارف أين التالد، أين المجادل أين المجالد؟ {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} ١ وجوه عَلَاهُنَّ الثَّرى، وصحائف تُفَضّ، وأعمال على الله تُعْرَض، بَحَثَ الزُّهَّاد والعبَّاد، والعارفون والأوتاد، والأنبياء الذين يُهْدَي بهم العباد، عن سبب الشقاء الذي لا سعادة بعده، فلم يجدوا إلا البعد عن الله تعالى، وسببه حبُّ الدنيا، "لن تجتمع أمتي على ضلالة".

هجرتُ حبائبي من أجل ليلى ... فما لي بعد ليلى من حبيبِ

وماذا أرتجى من وصل ليلى ... سَتَجْزِي بالقطيعة عن قريب

وقالوا: ما أورد النفس الموارد، وفتح عليها باب الحَتْفِ إلا الأمل، كلما قَوَّمَتها مَثَاقِفُ الحدود، فتح لها أركان الرُّخَصِ. كلما عَقَدَت صومَ العزيمة، أهداها طُرَف الغُرُور في أطباق "حتى وإذا ولكن وربَّما" فأفرط القلب في تقليبها حتى أفْطَر:

ما أَوْبَقَ الأنفس إلا الأملُ ... وهو غرورٌ ما عليه عمل

يفرض منه الشخص وهمًا مَالَه ... حالٌ ولا ماضٍ، ولا مستقبل

ما فوق وجه الأرض نفس حيَّةٌ ... إلا قد انقضَّ عليها الأجل

لو أنهم من غيرها قد كُوِّنُوا ... لامتلأ السهل بهم والجبل

ما ثَمَّ إلا لقم قد هُيئَت ... للموت، وهو الأكل المستعجل

والوعد حق، والورى في غفلة ... قد خودِعوا بعاجل وضُلِّلُوا

أين الذين شَيَّدُوا واغترسوا ... ومهَّدُوا وافترشوا وظُلِّلوا؟


١ الركز: الصوت الخفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>