للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبرزت لكم حقيقة حشركم، فكم تَرْكُضُون في طَلَق١ غفلتكم، وتغفلون عن يوم بعثكم، وللموت عليكم سيف مَسْلُول، وحُكْمُ عزم غير معلول، فكيف بكم يوم يُؤْخَذ كل بذنبه، ويُخْبَر بجميع كسبه، ويفرَّق بينه وبين صحبه، ويَعْدَم نُصْرة حزبه، ويشتغل بهَمِّه وكربه، عن صديقه وتِرْبِه، وتُنْشَر له رُقْعَة، وتعيَّن له بقعة؟ فَرَبَح عبد نظر وهو في مَهَلٍ لنفسه، وترسَّل في رَضِيِّ عمل جنة لحلول رمْسِه٢ وكَسَر صنم شهوته، ليَقَرَّ في بُحْبُوحة٣ قُدْسِه.

ومنها: فتنبًّه -ويحك- من سِنَتك ونومك، وتفكر فيمن هلك من صُحبتك وقومك، وهتف بهم من تعلم، وشَبَّ عليهم منه حرقٌ٤ مُظْلِم، فَخَرِبَت بصحبته ربوعهم، وتفرقت لهوله جُمُوعُهم، وذلَّ عزيزهم، وخَسِئَ رفيعهم، وصَمَّ سميعهم، فخرج كل منهم عن قصره، ورُمِيَ غير مُوَسَّد في قبره، فهم بين سعيد في روضة مُقَرَّبٍ، وبين شَقِيٍّ في حفرة معذَّب، فنستوهِبُ منه عز وجل عصمة من كل خطيئة، وخصوصية تقي من كل نفس جريئة٥".

"الإحاطة، في أخبار غرناطة ١: ١٥٤".


١ يقال: جرى الفرس طلقا أو طلقين: أي شوطا أو شوطين.
٢ الرمس: القبر.
٣ بحبوحة المكان: وسطه.
٤ الحرق: النار ولهبها.
٥ يلاحظ أن في الخطبة خمس كلمات فيها ألف وهي: قاهر. باهر. عاصيه. ففازوا. فنحًا

<<  <  ج: ص:  >  >>