للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعترف بالضعف لهم الحديد، وهزم المجادلون، وأُخْرِجوا من ديارهم لأول الحشر يُخْرِبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، حين نافروا السلامة.

أحمده حمد من امتحنته صفوف الجموع في نَفَق التَّغَابن، فطَّلق الحرمات حين اعتبر الملك وعامَه، وقد سمع صريف القلم وكأنه بالحاقة١ والمعارج يمينه وشماله وخلفه وأمامه، وقد ناح نوح الجن فتزمَّل٢ وتدثَّر فَرَقًا من يوم القيامة، وأنس بمُرْسَلَات النبأ، فنزع العُبُوس من تحت كُور العمامة، وظهر له بالانفطار التطفيف، فانشقت بُرُوج الطارق بتسبيح الملك الأعلى وغَشِيَته الشهامة، فوربِّ الفجر والبلد والشمس والليل والضحى، لقد انشرحت صدور المتقين، حين تلوا سورة التين، وعَلِق الإيمان بقلوبهم، فكل على قدر مقامه يُبِين، ولم يكونوا بمنفكين دهرهم، ليله ونهاره وصيامه وقيامه، إذا ذكروا الزلزلة ركبوا العاديات٣ ليطفئوا نور القارعة، ولم يلههم التكاثر حين تلو سورة العصر والهمزة، وتمثلوا بأصحاب الفيل فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. أرأيتم كيف جعلوا على رءوسهم من الكور عمامة؟ فالكوثر٤ مكتوب لهم، والكافرون خذلوا، وهم نُصِروا، وعدل بهم عن لهب الطَّامَّة، وبسورة الإخلاص قَرُّوا سعدوا، وبرب الفلق٥ والناس، استعاذوا فَأُعِيذوا من كل حزن وهم وغم وندامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادة تُنال بها منازل الكرامة -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه ما غرَّدَتْ في الأَيْكِ حَمَامة".

"نفح الطيب ٤: ٣٩١".


١ الحاقة: القيامة التي فيها يحق ما أنكر من البعث والجزاء.
٢ تزمل بثيابه: تلفف بها، وكذا تدثر.
٣ الخيل تعدو في الغزو، والقارعة التي تقرع القلوب بأهوالها.
٤ الكوثر: نهر في الجنة.
٥ الفلق: الصبح.

<<  <  ج: ص:  >  >>