للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر: "تراءت المَخَايل١ من الأقطار، تَحِنُّ حَنِين العِشَار، وتَتَرامي بشهب النار، وقواعدها متلاحِكَة٢، وبواسِقُها متضاحِكَة، وأرجاؤها متقاذِفَة، وأعجازها مترادِفَة، وأرحاؤها متراصفة، فوصلت الغرب بالشرق، والوَبْل بالوَدْق، سحًّا دراكًا٣، متتابعًا لكَّاكًا، فضحضحت الجَفَاجِف٤، وأنهَّرت الصفَاصِف، وحوَّضت الأصالف، ثم أقلعت محمودة الآثار، مَوْمُوقة الخِْيار".

فقال الثالث: والله ما خِلْتُه بلغ خُمْسًا، فقال: هلمَّ الدرهم أصفه لك، فقلت: لا، أو تقول كما قالا، قال: لأَبُذَّنَّهَما٥ وصفًا، ولأُوقِفَنَّهما رصفًا، فقلت: هاتِ لله أبوك، فقال: "بينما الحاضر بين الباس والإبلاس، قد غَمَرهم الإشفاق، رَهْبَة الإِمْلاق، وقد جفت الأنواء٦، ورفرف البلاء، واستولى القُنُوط على القلوب، وكثُر الاستغفار من الذنوب، ارتاح ربك لعباده، فأنشأ سحابًا مُسْتَجْهِرًا٧ كَنَهْوَرًا مُعْنَوْنِكًا مُحْلَوْلِكًا، ثم استقل وأخزَأَلَّ، فصار كالسماء دون السماء،


١ مخايل جمع مخيلة "بضم الميم وكسر الخاء" والمخيلة والمخيلة "بتشديد الياء المكسورة" السحابة التي تحسبها ما طرة، والعشار جمع عشراء كنفساء: وهي الناقة التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، والشهب جمع شهاب ككتاب: وهو شعلة من نار ساطعة.
٢ قواعدها: أسافلها، وأصله من قواعد البيت: أي أساسه، متلاحكة: أي قد اشتد التئامها، والمتلاحكة: الناقة الشديدة الخلق، وبواسقها: أعاليها جمع باسقة، من بسق: أي طال وارتفع، ومتضاحكة أي يضحك فيها برقها، متقاذفة: أي يقذف بعضها بعضا بالمطر، وأرحاؤها: أوساطها، متراصفة: متراكمة قد رصف بعضها فوق بعض.
٣ أي صبا متتابعة، ولكاكا: متزاحما من اللكاك ككتاب وهو الزحام.
٤ الجفاجف جمع جفجف كجعفر: وهي الأرض المرتفعة ليست بالغليظة، وضحضحها: جعلت فيها ضحاضح والصفاصف جمع صفصف كجفر: وهو المحتوى من الأرض، وأنهر الماء: أساله، والأصلف والصلفاء: ما صلب من الأرض، والجمع أصالف، وحوضت جعلت فيها حياضًا.
٥ بذة: فاته وغلبه، والحاضر: ساكن الحضر، والباس: العذاب والشدة، والإبلاس: التحير واليأس: والإشفاق: الخوف، والإملاق: الفاقة.
٦ الأنواء جمع نوء: وهو في الأصل سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله في ساعته من المشرق، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إليها.
٧ مستجهرا: لم أجد هذه الكلمة في كتب اللغة، وربما كان الأصل: "مستنهرا" من استنهر الشيء إذا اتسع، والمحلوك: الشديد السواد، وقد تقدم معنى اعتنك واستعنك: واعنونك افعوعل من هذه المادة، ولم أجده في كتب اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>