للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في أمالي السيد المرتضي:

روى أن بعض خلفاء بني العباس -وأظنه الرشيد- صعد المنبر ليخطب، فسقطت على وجهه ذبابة، فطردها، فرجعت، فحَصِرَ وأُرْتِجَ عليه، فقال: أعوذ بالله السميع العليم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ ١ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ثم نزل، فاستُحْسِن ذلك منه.

وروى أن رجلا صعد المنبر أيام يزيد بن معاوية، وكان واليًا على قوم فقال لهم: "أيها الناس: إني إن لم أكن فارسًا طَبًّا٢ بهذا القرآن، فإن معي من أشعار العرب ما أرجو أن يكون خَلَفًا منه، وما أساء القائل أخو البَرَاجم حيث قال:

وما عاجِلَات الطير يُدْنِينَ للفتى ... رشادا، ولا من رَيْثِهِنَّ يَخِيبُ٣

ورب أمور لا تَضِيرك ضَيْرَة ... وللقلب من مَخْشَاتِهِنّ وَجِيب٤

ولا خير فيمن لا يُوَطِّنُ نفسه ... على نائبات الدهر حين تَنُوب

وفي الشكِّ تفريط وفي الحَزْمِ قُوَّةٌ ... ويُخْطِي الفتى في حَدْسِهِ ويُصِيبُ٥

فقال رجل من كلب: إن هذا المنبر لم يُنْصَب للشعر، بل ليُحْمَد الله تعالى.


١ وكانوا يطلون أصنامهم بالطيب والزعفران ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله.
٢ ماهرا حاذقا.
٣ كانت العرب تتيمن بالطير السانح، وهو ما ولاك ميامنه، بأن يمر من مياسرك إلى ميامنك، وتتشاءم بالبارح، وهو ما ولاك مياسره، بأن يمر من ميامنك إلى مياسرك، وذلك لأنه لا يمكنك رميه إلا بأن تنحرف له، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير، فيعتمدها، وعاجلات الطير هي أن يخرج الإنسان من منزلة إذا أراد أن يزجر الطير، فما مر به أول ما يبصر فهو عاجلات الطير، وإن أبطأت عنه وانتظرها فقد راثت أي أبطأت، والأول عندهم محمود، والداني مذموم.
٤ خشيه خشية ومخشاة: خافه، ووجب القلب وجيبا: خفق واضطرب.
٥ الحدس: الظن والتخمين، والأبيات لضابئ بن الحارث البرجمي "انظر زهر الآدب ٢: ٨٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>