للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استشرى١ في دين الله؛ فما برحت شكيمته٢ في ذات الله عز وجل، حتى اتخذ بفنائه مسجدًا، يحيي فيه ما أمات المبطلون، وكان رحمه الله غزير الدمعة، وقيذ٢ الجوانح، شجي النشيج٤ فانقضت إليه نسوان مكة وولدانها، يسخرون منه ويستهزئون به {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ٥ فأكبرت ذلك رجالات من قريش، فجنت قسيها، وفوقت سهامها٦، وامتثلوه٧ غرضًا، فما فلوا له صفاة٨، ولا قصفوا له قناة، ومر على سيسائه٩، حتى إذا ضرب الدين بجرانه١٠، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجًا، ومن كل فرقة أرسالًا١١ وأشتاتًا، اختار الله لنبيه ما عنده، فلما قبض الله صلى الله عليه وسلم ضرب الشيطان رواقه١٢، ومد طنبه١٣، ونضب حبائله، وأجلب١٤ بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج ١٥ عهده، وماج أهله، وبغي الغوائل؛ فظنت رجال أن قد أكثبت١٦ أطماعهم، ولات حين الذي يرجون، وأنى والصديق بين أظهرهم، فقام حاسرًا مشمرًا،


١ غضب ولج.
٢ الشكيمة: الأنفة وفي اللجام الحديد المعترضة في فم الفرس. وهو شديد الشكيمة، أنف: أبي لا ينقاد.
٣ الوقيذ: الصريع والشديد المرض المشرف.
٤ الشجي: الحزين، والنشيج: صوت البكاء تشج الباكي ينشج كمجلس غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
٥ العمه بفتحتين التردد في الضلال.
٦ فوق السهم: جعل له فوقًا، وهو موضع الوتر من السهم.
٧ امتثلوه: مثلوه.
٨ الحجر الصلد: الضخم.
٩ شدته. حمله على سيساء الحق أي على حده، والسيساء: عظم الظهر، والعرب تضربه مثلًا لشده الأمر.
١٠ جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.
١١ جمع رسل بفتحتين وهو القطيع من كل شيء.
١٢ فسطاطه.
١٣ حبل طويل يشده به سرادق البيت أو الوتد.
١٤ أجلب: صاح، والخيل: الخيالة، ومنه "يا خيل الله اركبي" والرجل: اسم جمع راجل كالصحب والركب، أي صاح بالركاب والمشاة وقرئ ورجلك بكسر الجيم وضمها.
١٥ المرج: بفتحتين الفساد والقلق والاختلاط والاضطراب "وإنما يسكن مع الهرج".
١٦ أكثب: قرب، والنهز جمع نهزة بضم النون وهي الفرصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>