للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان المنذر ضغنًا عليه؛ فلما دخل عليه قال له: يا عام، لساء مثوًى أثويته ربك وثويك١؛ حين حاولت إصباء طلته٢ ومخالفته إلى عشيره، أما والله لو كنت كريمًا لأثويته مكرمًا موفرًا، ولجانبته مسلمًا؛ فقال له: أبيت اللعن٣ لقد علمت


= القيس" وذلك؛ لأن الحارث بن مندلة ملك الشام، وكان من ملوك سليح من ملوك الضجاعم "سليح كجريح قبيلة باليمن، والضجاعم كانوا ملوكًا بالشام" وهو الذي ذكره مالك بن جوين الطائي في شعره فقال:
هنالك لا أعطي رئيسًا مقادة ... ولا ملكًا حتى يثوب ابن مندله
وكان قد أغار على أرض نجد، وهي أرض حجر بن الحارث هذا، وذلك على عهد بهرام جور، وكان بها أهل حجر فوجد القوم خلوفًا، "الخلوف بالضم: الذين ذهبوا من الحي، ومن حضر منهم أيضًا" ووجد حجرًا قد غزا أهل نجران؛ فاستاق ابن مندلة مال حجر، وأخذ امرأته هند الهنود "وهي هند بنت ظالم بن وهب بن الحرث بن معاوية" ووقع بها فأعجبها، وكان آكل المرار شيخًا كبيرًا، وابن مندلة شابًّا جميلًا؛ فقالت له: النجاء النجاء، فإن وراءك طالبًا حثيثًا، وجمعًا كثيرًا، ورأيًا صلبًا، وحزمًا وكيدًا، فخرج ابن مندلة مغذا إلى الشام "أي مسرعًا"؛ فلما رجع حجر وجد ماله قد استيق، ووجد هند قد أخذت فقال: من أغار عليكم؟ قالوا ابن مندلة، قال: مذكم؟ قالوا: ثماني ليال؛ فقال حجر: لا غزو إلا التعقيب، فأرسلها مثلًا يعني غزوه الأول والثاني.
ثم جد في طلب ابن مندلة، حتى دفع إلى واد دون منزل ابن مندلة فكمن فيه، وبعث سدوس بن شبيان؛ فقال له: اذهب متنكرًا إلى القوم حتى تعلم لنا علمهم؛ فانطلق حتى انتهى إلى ابن مندلة، ثم رجع إلى حجر فحدثه بحديث امرأته مع ابن مندلة، فضرب حجر بيده على المرار "والمرار كغراب: شجرة مرة إذا أكلت منها الإبل تقلصت مشافرها" فأكل منها من الغضب، سمته العرب آكل المرار، "وقيل: آكل المرار هو أبوه الحارث"، ثم خرج حتى أغار على ابن مندلة فقتله ثم قتل هندًا وأنشأ يقول:
إن من يأمن النساء بشيء ... بعد هند لجاهل مغرور
كل أنثى وإن تبينت منها ... آية الحب، حبها خيتعور
"والخيتعور: كل شيء لا يدوم على حالة واحدة، ويضمحل كالسراب، وكالذي ينزل من الهواء في شدة الحر كمسج العنكبوت".
وذكر أبو الفرج الأصبهاني هذه القصة في الأغاني "١٥: ٨٢" ولكنه روى أن الذي أغار على حجر هو زياد بن الهبولة قال: "ثم إن زياد بن الهبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم بن حماطة بن سعد بن سليح القضاعي أغار عليه وهو ملك في ربيعة بن نزار، وكان قد غزا بربيعة البحرين؛ فبلغ زيادًا غزاته فأقبل حتى أغار في مملكة حجر فأخذ مال كثيرًا وسبى امرآة حجر ... إلى آخر القصة".
١ ثوى المكان وبه: نزل، وأثواه،: أضافه، والمثوى: المنزل، والثوى: كغنى البيت المهيأ له، والضيف وهو المراد هنا.
٢ الطلة العجوز، وصبا الرجل مال إلى الجهل والفتور وأصبته المرأة والمراد حاولت رد عزاء السالف إليه.
٣ أبيت اللعن: تحية جاهلية أي أبيت أن تأتي ما تعلن به.

<<  <  ج: ص:  >  >>