"الحمد لله على كل أمر وحال، في الغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ابتعثه رحمة للعباد، وحياة للبلاد، حين امتلأت الأرض فتنة، واضطرب حيلها، وعبد الشيطان في أكنافها، واشتمل عدو الله إبليس على عقائد أهلها، فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أطفأ الله به نيرانها، وأخمد به شرارها، ونزع به أوتادها، وأقام به ميلها، إمام الهدى، والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد صدع بما أمر به، وبلغ رسالات ربه، فأصلح الله به ذات البين، وآمن به السبل، وحقن به الدماء، وألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور، حتى أتاه اليقين، ثم قبضه الله إليه حميدًا.
ثم استخلف الناس أبا بكر فلم يأل جهده، ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده، ثم استخلف الناس عثمان، فنال منكم ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان، أتيتموني لتبايعوني فقلت: لا حاجة لي في ذلك، ودخلت منزلي فاستخرجتموني، فقبضت يدي فبسطتموها، وتداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل، وقد علم الله سبحانه أني كنت كارهًا للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وآله، ولقد سمعته صلى الله عليه وآله يقول: "ما من وال يلي شيئًا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رءوس الخلائق، ثم ينشر كتابه، فإن كان عادلاً نجا، وإن كان جائرًا هوى" حتى اجتمع علي ملؤكم، وبايعني طلحة والزبير، وأنا أعرف الغدر في أوجههما، والنكث في أعينهما، ثم استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناء الطلقاء، فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر، ويا عجبا