للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتواكلتم وثقل عليكم قولي، واتخذتموه وراءكم ظهريًّا؛ حتى شنت١ عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان، هذا أخو غامد٢ قد وردت خيله الأنبار، وقتل حسان بن حسان البكري، ورجالًا منهم كثيرًا ونساء، وأزال خيلكم عن مسالحها٣.

والذي نفسي بيده، لقد بلغني أنه كان يدخل على المرآة المسلمة، والأخرى المعاهدة٤، فينتزع حجلها٥ وقلبها٦، وقلائدها ورعثها٧، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع٨ والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين٩، ما نال رجلًا منهم كلم١٠، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن امرأ مسلمًا مات من دون هذا أسفًا، ما كان عندي فيه ملومًا؛ بل كان به عندي جديرًا.

يا عجبًا كل العجب! عجب يميت القلب، ويشغل الفهم، ويكثر الأحزان! من تضافر١١ هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى أصبحتم غرضًا١٢ ترمون ولا ترمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله عز وجل فيكم وترضون: إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء؛ قلتم هذا أوان قر١٣ وصر، وإن قلت لكم اغزوهم


١ شن الغارة عليهم: صبها من كل وجه، من شن الماء على رأسه إذا صبه.
٢ يريد سفيان بن عوف الغامدي قائد الحملة على الأنبار.
٣ جمع مسلحة بالفتح: وهي الثغر.
٤ المعاهدة: ذات العهد، وهي الذمية.
٥ الحجل بالفتح: الخلخال، وسمي القيد حجلًا؛ لأنه يكون مكان الخلخال.
٦ القلب: سوار المرأة.
٧ الرعثة بالفتح: القرط، والجمع رعاث بالكسر، وجمع الجمع رعث بضمتين.
٨ قول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
٩ أي تامين، وفي رواية المبرد: "موفورين" أي لم ينل أحدًا منهم بأن يرزأ في بدن ولا مال.
١٠ جرح.
١١ تعاون وتناصر.
١٢ وفي رواية نهج البلاغة: "فقبحًا لكم وترحا حين صرتم غرضًا يرمى" وزادت رواية الجاحظ بعد ذلك: "وفيئًا ينهب" والترح: محركة الهم، والغرض: الهدف.
١٣ القر مثلثة القاف: البرد، والصر: شدة البرد. وفي النهج: "وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء؛ قلتم هذه صبارة القر، أمهلنا: ينسلخ عنا البرد" وصبارة الشتاء بتشديد الراء: شدة برده.

<<  <  ج: ص:  >  >>