للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصيف، قلتم حمارة١ القيظ، أنظرنا٢ ينصرم الحر عنا؛ فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون؛ فأنتم والله من السيف أفر! يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام٣ الأحلام! ويا عقول ربات الحجال٤، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندمًا، وأعقبت سدمًا٥! قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحًا٦، وشحنتم صدري غيظًا، وجرعتموني نغب التهام أنفاسًا٧، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان؛ حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا رأي له في الحرب! لله درهم٨! ومن ذا يكون أعلم بها مني، أو أشد لها مراسًا؟ فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ولقد نيفت٩ اليوم على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع "يقولها ثلاثًا".

فقام إليه رجل ومعه أخوه١٠ فقال:

"يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا، كما قال الله تعالى: {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي


١ شدة الحر.
٢ أي أمهلنا حتى ينسلخ الحر، وفي رواية النهج "أمهلنا يسبخ عنا الحر" بتشديد الباء المفتوحة: أي يخف ويسكن، وكل من خفف عنه شيء فقد سبخ عنه، ومنه قولهم: اللهم سبخ عني الحمى: أي خففها.
٣ أوغاد الناس ومن لا عقل له ولا معرفة عنده. والأحلام العقول: جمع حلم بالكسر، ويجمع أيضًا على حلوم، وفي رواية النهج: "حلوم الأطفال".
٤ الحجال: جمع حجلة بالتحريك، وهي القبة، وموضع يزين بالستور والثياب للعروس -كناية عن النساء.
٥ السدم: الهم، أو مع ندم، أو غيظ مع حزن.
٦ القيح: ما يكون في القرحة من صديدها، وشحنتم: ملأتم، وفي رواية الكامل: "ولقد ملأتم جوفي غيظًا".
٧ النغب: جمع نغبة بالفتح والضم، وهي الجرعة، والتهمام: الهم، وأنفاسًا أي جرعة بعد جرعة، يقال: اكرع في الإناء نفسين أو ثلاثة.
٨ لله دره: أي عمله، والدر أيضًا: اللبن، أي لله الثدي الذي رضعه، وهو تعجب أريد به التهكم، وفي رواية النهج: "لله أبوهم"!
٩ نيفت: زدت ورواية النهج: "وهأنذا قد ذرفت على الستين" أي زدت أيضًا.
١٠ الرجل وأخوه: يعرفان بابني عفيف من الأنصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>