للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تركنن إلى أمر تُكَلِّفُنَا ... والراقصاتُ به في مكة الخرقا١

فالموت أهون من قول العداة "لقد ... حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا"٢

والله لَمَا أخفيتُ من أمرك، أكبر مما أبدي؛ وأنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أن عليًّا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فأنزل فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} . وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة، فنزلوا من حصنهم، فهزموا، فبعث عَلِيًّا بالراية؛ فاستنزلهم على حكم الله، وحكم رسوله، وفعل في خيبر مثلها، ثم قال: يا معاوية أظنك لا تعلم أني أعلم ما دعا به عليك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني جذيمَة٣، فبعث إليك ونَهَمك٤ إلى أن تموت، وأنتم أيها الرهط


١ الخرق محرَّكة: ألا يحسن الرجل العمل والتصرف في الأمور، والحمق.
٢ فرق: فزع.
٣ في الأصل "خزيمة"، وهو تحريف، وهم بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، وقد بعث إليهم رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيًا، ولم يبعثه مقاتلا، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإن الناس قد أسلموا، فلما وضعوه أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا، ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم – وكان بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة عم خالد، وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما، وأخذوا أموالهما – فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، ثم دعا علي بن أبي طالب، فقال: يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتى جاءهم، ومعه مال قد بعثه رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به، فودى لهم الدماء، وما أصيب من الأموال، حتى إنه ليدي ميلغة الكلب، "والميلغة بالكسر: الإناء يلغ فيه الكلب" حتى إذا لم يبق شيء من دم أو مال إلا وداء بقيت معه بقية من المال. قال لهم: هل بقى لكم دم أو مال لم يرد إليكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل، ثم رجع إلى رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر، فقال: أصبت وأحسنت، ثم استقبل القبلة قائما شاهرا يديه، وهو يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ابن الوليد، ثلاث مرات.
٤ الذي في كتب اللغة: "نهمه: زجره، وحذفه بالحصى وغيره" ومراده هنا أنه دعا عليه بالنهم وعدم الشبع، وقد تقدم الكلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>