للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

...................................................................................


=
أقول لغلمتي شدوا ركابي ... أجاوز بطن مكة في سواد
فمالي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد
فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر: "علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته"- انظر "١: ٨" وشرح ابن أبي الحديد "م٤: ص٤٩٥" ومجمع الأمثال للميداني "١: ٧٥" وفيه "فلما بلغ الشعر ابن الزبير قال: لو علم لي أما ألأم من عمته لسبَّني بها" وبهذه المناسبة نقول: إن ابن الزبير كان شديد البخل وكان ذلك من أعظم أسباب إخفاقه وانفضاض الناس من حوله، رووا أنه كان يطعم جنده تمرًا ويأمرهم بالحرب فإذا فروا من وقع السيوف لامهم وقال لهم: أكلتم تمري، وعصيتم أمري، فقال بعضهم:
ألم تر عبد الله والله غالب ... على أمره يبغي الخلافة بالتمر
وكسر بعض جنده خمسة أرماح في صدور أصحاب الحجاج، وكلما كسر رمحًا أعطاه، فشق عليه ذلك، وقال: خمسة أرماح! لا يحتمل بيت مال المسلمين هذا. وجاءه أعرابي سائل فرده، فقال له: لقد أحرقت الرمضاء قدمي، فقال: بل عليهما يبردا، "ابن أبي الحديد م١: ص٤٨٧" وقدم عليه معن بن أوس بمكة، فأنزله دار الضيفان –وكان ينزلها الغرباء وأبناء السبيل والضيفان- فأقام يومه لم يطعم شيئًا، حتى إذا كان الليل جاءهم ابن الزبير بتيس هرم هزيل، فقال: كلوا من هذا وهم نيف وسبعون رجلا، فغضب معن وخرج من عنده، فأتى ابن عباس فقراه وحمله وكساه، ثم أتى عبد الله بن جعفر فأعطاه حتى أرضاه، وأقام عنده ثلاثًا حتى رحل، فقال معن في ذلك:
رمانا أبو بكر "وقد طال يومنا"
...
بتيس من الشاة الحجازي أعفر
وقال: اطعموا منه "ونحن ثلاثة
...
وسبعون إنسانًا" فيا لؤم مخبر!
فقلنا له: لا تقربا، فأمامنا
...
جفان ابن عباس العلا وابن جعفر
وكنْ آمنا وارفق بتيسك إنه
...
له أعنز ينزو عليها، وأبشر
"الأغاني ج١٠: ص١٥٧".
وقال عبد الملك بن مروان: "ما أعلم مكان أحد أقوى على هذا الأمر مني، وإن ابن الزبير لطويل الصلاة كثير الصيام، ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسًا" "تاريخ الطبري ج٨: ص٥٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>