للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاتبه على ذلك قوم من خاصته، وتشاءموا بذلك منه، وخافوا عاقبته، فقال: "والله ما تركت ذلك علانية إلا وأنا أقوله سرًّا وأكثر منه، لكني رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره، اشرأبوا١ واحمرت ألوانهم، وطالت رقابهم، والله ما كنت لآتي لهم سرورًا وأنا أقدر عليه، والله لقد هممت أن أحظر لهم حظيرة، ثم أضرمها عليهم نارًا، فإني لا أقتل منهم إلا آثمًا كفارًا سحارًا، لا أنماهم الله، ولا بارك عليهم! بيت سوء لا أول لهم ولا آخر، والله ما ترك نبي الله فيهم خيرًا، استفرغ٢ نبي الله صدقهم، فهم أكذب الناس، فقام إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال: "وفقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم". فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي فقال: والله ما قلت صوابًا، ولا هممت برشد، أرهط رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ تعيب، وإياهم تقتل، والعرب حولك؟ والله لو قتلت عدتهم أهل بيت من الترك مسلمين، ما سوَّغَهُ الله لك، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره، فقال: اجلس أبا صفوان فلست بناموس٣، فبلغ الخبر عبد الله بن العباس، فخرج مغضبًا ومعه ابنه، حتى أتى المسجد، فقصد قصد المنبر.

فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ثم قال:

"أيها الناس: إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ولا آخر! فيا عجبًا كل العجب، لافترائه وتكذبه٤! والله إن أول من أخذ الإيلاف٥


١ اشرأب إليه: مد عنقه لينظر أو ارتفع.
٢ في الأصل "استفزع" وهو تحريف. يقال: استفزع فلان مجهوده: إذا لم يبق من جهده وطاقته شيئًا، والمراد أنه حوى ما فيهم من صدق فلم يبق لهم منه شيء، فهم أكذب الناس "كذا! ".
٣ الناموس: الحاذق، وهو أيضًا صاحب السر المطلع على باطن أمرك.
٤تَكَذَّب: تكلف الكذب.
٥ روى أبو علي القالي في أماليه قال:
"كانت قريش تجارًا، وكانت تجارتهم لا تعدو مكة، إنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع، فيشترونها منهم، ثم يتبايعونها بينهم ويبيعونها على من حولهم من العرب، فكانوا =

<<  <  ج: ص:  >  >>