للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمى عيرات١ قريش لهاشمٌ، وإن أول من سقى بمكة عذبًا، وجعل باب الكعبة


= كذلك، حتى ركب هاشم بن عبد مناف إلى الشأم، فنزل بقيصر، فكان يذبح كل يوم شاة، ويصنع جفنة ثريد، ويجمع من حوله فيأكلون، وكان هاشم من أجمل الناس وأتمهم، فذكر ذلك لقيصر، فقيل له: ها هنا رجل من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق ويفرغ عليه اللحم -وإنما كانت العجم تصب المرق في الصحاف ثم تأتدم بالخبز- فدعا به قيصر، فلما رآه وكلمه أعجب به، فكان يبعث إليه في كل يوم، فيدخل عليه ويحادثه، فلما رأى نفسه تمكن عنده، قال له: "أيها الملك إن قومي تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمن تجاراتهم، فيقدموا عليك بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه، فتباع عندكم فهو أرخص عليكم" فكتب له كتاب أمان لمن يقدم منهم، فأقبل هاشم بذلك الكتاب، فجعل كلما مرَّ بحيٍّ من العرب بطريق الشأم أخذ من أشرافهم إيلافا -والإيلاف أن يأمنوا عندهم في أرضهم بغير حلف، إنما هو أمان الطريق- وعلى أن قريشا تحمل إليهم بضائع، فيكفونهم حملانها، ويؤدون إليهم رءوس أموالهم وربحهم، فأصلح هاشم ذلك الإيلاف بينهم وبين أهل الشأم حتى قدم مكة، فأتاهم بأعظم شيء أتوا به بركة، فخرجوا بتجارة عظيمة، وخرج هاشم معهم يجوزهم؛ يوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب، حتى أوردهم الشأم، وأحلهم قراها، ومات في ذلك السفر بغزة، وخرج المطلب بن عبد مناف إلى اليمن، فأخذ من ملوكهم عهدًا لمن تجر إليهم من قريش، وأخذ الإيلاف كفعل هاشم، وكان المطلب أكبر ولد عبد مناف، وكان يسمى الفيض، وهلك بردمان من اليمن، وخرج عبد شمس بن عبد مناف إلى الحبشة، فأخذ إيلافا كفعل هاشم والمطلب، وهلك عبد شمس بمكة فقبره بالحجون، وخرج نوفل بن عبد مناف، وكان أصغر ولد أبيه، فأخذ عهدا من كسرى لتجار قريش، وإيلافا ممن مر به من العرب، ثم قدم مكة ورجع إلى العراق فمات بسلمان، واتسعت قريش في التجارة في الجاهلية وكثرت أموالها، فبنو عبد مناف أعظم قريش على قريش منة في الجاهلية والإسلام"- ذيل الأمالي ص٢٠٤.
١ العير بالكسر الإبل تحمل الميرة: بلا واحد من لفظها، أو كل ما امتير عليه إبلا كانت أو حميرا أو بغالا وجمعه كعنيات ويسكن

<<  <  ج: ص:  >  >>