للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وما المانع أن يكون طهورًا يرفع به الحدث ويُزَالُ به الخبث؟

واستدلوا بأن الماء المستعمل طاهر غير طهور بما روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» (١). فنهى النبي عن الاغتسال في الماء الدائم حتى لا يصير مستعملًا (٢)؛ وذلك لأن الاغتسال يؤثر في الماء.

واعترض عليه بأن قولهم: (حتى لا يصير مستعملًا) ليست علة نص عليها الحديث. ولو قلنا بأن هذه علة في الغسل، فهل يمنع الوضوء من الماء الدائم؟ فدل ذلك على بطلان هذه العلة، ثم إنهم قالوا: لو انغمس في الماء بدون نية رفع الحدث فالماء طهور؛ فهل النية تحول الماء والنية محلها القلب؟! وقد تكون العلة من النهي عن الاغتسال في الماء الدائم أنه قد يبول فيه فيؤثر في الماء.

واستدلوا بأن النبي وأصحابه احتاجوا في أسفارهم الكثيرة إلى الماء، ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى، ولو كان طهورًا لجمعوه؛ لأن التيمم لا يجوز مع وجود الماء (٣).

ويجاب عنه: بأن الصحابة﴾ كانوا يقتصدون في الوضوء، وقد ثبت من حديث أنس المتفق عليه قال: كَانَ النَّبِيُّ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ .... الحديث.

فكيف يمكن جمع هذا الماء؟! ولو أمكن جمعه لكان في ذلك مشقة، والحرج مرفوع عن هذه الأمة بنص القرآن، كما أن كونه لم يُجمع لا يدل على أنه لا يُتطهر به؛ ولهذا لم يجمعوه للشرب مع طهارته، وحاجتهم للشرب آكد، ولم يجمعوه لغير الشرب كالعجن والطبخ والتبرد، فعدم جمعه ليس دليلًا على عدم طهوريته.

واستدلوا بأن الماء المستعمل ليس ماء مطلقًا، بل هو مقيد بكونه ماء مستعملًا، والذي يرفع الحدث هو الماء المطلق.


(١) مسلم (٢٨٣).
(٢) «المجموع» (١/ ٢٠٦).
(٣) «المجموع» (١/ ٢٠٦).

<<  <   >  >>