للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض عليه بعموم قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ فيشمل الماء المستعمل وغيره. وخرج الماء النجس بالإجماع، وبقي ما عداه.

واستدلوا بأن الماء استعمل في عبادة واجبة، فلا يمكن أن يستعمل في عبادة أخرى، كالعبد إذا أعتق لا يمكن أن يعتق مرة أخرى.

واعترض عليه: بأن العبد إذا أعتق صار حرًّا فكيف يعتق مرة أخرى؟!

القول الثالث: ذهب أبو حنيفة في رواية إلى أن الماء المستعمل نجس (١).

واستدلوا لذلك بالقرآن والسنة:

أما دليلهم من القرآن: فعموم قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]، والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة؛ إذ تطهير الطاهر لا يُعقل (٢).

واعترض على قولهم: (والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة) من وجوه:

الأول: أن تجديد الوضوء يطلق عليه طهارة شرعية مع أنه متطهر.

الثاني: لو كان المحدث نجسًا لما صح حمل النبى لأُمَامَةَ في الصلاة؛ فعن أبي قتادة : أَنَّ رَسُولَ الله كَانَ يُصلي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ الله .

الثالث: المتوضئ لا بد أن يتساقط على ثوبه من الماء المستعمل، ومعنى ذلك أنه سوف تتنجس ثيابه، فهل حَكَم أحد بالنجاسة؟

الرابع: إنما سُمِّيَ الوضوء والغسل طهارة لرفع الحدث، ولنفي الذنوب، كما صح في الأخبار (٣).

أما دليلهم من السنة: فما روى مسلم عن أبي أُمَامَة، قال عمرو بن عَبَسَة السُّلَمِي: قال رسول الله : «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ


(١) «البناية» (١/ ٣٥٠)، و «حاشية ابن عابدين» (١/ ٢٠١).
(٢) «البناية» (١/ ٣٥٣، ٣٥٤).
(٣) «المغني» (١/ ٤٨).

<<  <   >  >>