للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن المنذر وابن حزم (١) لعموم حديث عائشة قالت: «كَانَ النَّبِيُّ يَذِكْر الله عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» (٢)، والذِّكْر قد يكون بقراءة القرآن وقد يكون بغيره من التسبيح والتحميد والتكبير، دل على أن القرآن ذِكْر عموم قول الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩﴾.

واستدلوا أيضًا بأنه إذا كان مس المصحف بحائل بعصا أو غيره جائزًا، فمسه باليد أَوْلى لأن يد المسلمة طاهرة، دل على هذا المعنى ما رواه مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ: نَاوِلِينِي الثَّوْبَ» فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَنَاوَلَتْهُ (٣). فالرسول طلب من عائشة الثوب، فقالت: إني حائض، أي: كيف أعطيك الثوب بيدي وأنا حائض؟! فقال النبي: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» أي: إن كان الحيض نجسًا فهو في الفرج، بينما اليد التي تعطني الثوب طاهرة، فكذا اليد التي تمس المصحف طاهرة، وممايدل على طهارة يد الحائض ما رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ وَأَنَا حَائِضٌ» (٤). فلوكانت اليد نجسة بسبب الحيض لما غسلت عائشة رأس النبي.

قال ابن المنذر: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُنَجِّسُ مَا تَمَسُّ إِذْ لَيْسَ جَمِيعُ بَدَنِهَا نَجِسًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنْ بَدَنَهَا غَيْرُ نَجِسٍ إِلَّا الْفَرْجَ ثَبَتَ أَنَّ النَّجَسَ فِي الْفَرْجِ لِكَوْنِ الدَّمِ فِيهِ وَسَائِرُ الْبَدَنِ طَاهِرٌ (٥).

واستدلوا بأنه إذا كان المشرك نجسًا لقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨]، وجائز له أن يمس صحيفة بها آية من كتاب الله، فمسُّ المسلم للمصحف أَوْلى بالجواز؛ لأن المسلم لا ينجس. دل على هذا المعنى ما ورد في الصحيحين أن النبي بعث إلى هرقل عظيم الروم: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ


(١) «الأوسط» (٢/ ١٠٣)، و «المحلى» (مسألة ١١٦).
(٢) «مسلم» (٣٧٣).
(٣) «مسلم» (٢٢٩).
(٤) «مسلم» ٢٩٧).
(٥) «الأوسط» (٢/ ١٠٤).

<<  <   >  >>