للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ٦٤﴾ (١).

وجه الدلالة: ما قاله ابن حزم: فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ الله إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ: وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ غَيْرِهَا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ، فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلَا تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَهَا (٢).

واستدلوا بأنه لا يجب الوضوء لمس المصحف، بل الوضوء للصلاة لما روى مسلم من حديث سَعِيدِ بْن حُوَيْرِثٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إِنَّ النَّبِيَّ قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ الْخَلَاءِ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً»، قَالَ: وَزَادَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ لَمْ تَوَضَّأْ؟ قَالَ: «مَا أَرَدْتُ صَلَاةً فَأَتَوَضَّأَ» وَزَعَمَ عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ (٣).

واستدلوا بالقياس: فإذا كان يجوز قراءة القرآن للمحدث فكذا يجوز مس المصحف.

قال النووي: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ، وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ لَهَا.

قلت: وقد ذهب حبر الأمة ابن عباس إلى جواز مس المصحف للمحدث (٤).

والراجح: جواز مس المصحف للحائض والجنب، دل على ذلك أن مس المصحف يكون باليد، ويد وبدن الحائض والجنب طاهر، ودل على ذلك ما رواه مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ: نَاوِلِينِي الثَّوْبَ» فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَنَاوَلَتْهُ.


(١) «البخاري» (٧)، و «مسلم» (١٧٧٣).
(٢) «المحلى» (مسألة ١١٦).
(٣) رواه عبد بن حميد «المنتخب» (٦٩٠) قال: أخبرنا عبد الرزاق، نا معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن الحويرث، عن ابن عباس به وفيه: «إنما أُمرتم بالوضوء والصلاة».
(٤) ذكره ابن الجوزي في «زاد المسير» () والشوكاني في «فتح القدير» (٥/ ١٦٠).

<<  <   >  >>