فإن قلت: الأسانيد إلى الأئمة السبعة، وأسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما في كتب القراءات- آحاد لا تبلغ عدد التواتر، فمن أين جاء التواتر؟ أجيب: بأن انحصار الأسانيد المذكورة في طائفة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم، وإنما نسبت القراءات إلى الأئمة ومن ذكر في أسانيدهم، والأسانيد إليهم، لتصديهم لضبط الحروف، وحفظ شيوخهم فيما ومع كل منهم في طبقته ما يبلغها عدد التواتر، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد- بقراءة إمامهم- الجم الغفير عن مثلهم، وكذلك دائما، مع تلقي الأمة لقراءة كل منهم بالقبول. انتهى.
قال السخاوي: ولا يقدح في تواتر القراءات السبع إذ أسندت من طريق الآحاد، كما لو قلت: أخبرني فلان، عن فلان، أنه رأى مدينة سمرقند، وقد علم وجودها بطريق التواتر، فلم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها، فقراءة السبع كلها متواترة.
وقد اتفق على أن المكتوب في المصاحف متواتر الكلمات والحروف، فإن نازع في تواتر السبع أحد قلنا له: ما تقول في قراءة ابن كثير- مثلا- في سورة (التوبة): {تجرى من تحتها الأنهار}[التوبة: ١٠٠] بزيادة "من"، وقراءة غيره بإسقاطها؟ فإن قال: متواترة، فهو الغرض، وإن منع تواتر ذلك، فقد خرق الإجماع المنعقد على ثبوتها، أو باهت فيما هو معلوم منهما، وإن قال بتواتر بعض دون بعض، تحكم فيما ليس له، لأن ثبوتها في الرتبة سواء، فلزم التواتر في قراءة السبعة. انتهى.
ثم إن التواتر المذكور شامل للأصول الفرش، هذا هو الذي عليه المحققون.