وقصة ولادة مريم عليها السلام به أما صفة ولادة مريم عليها السلام به فهو أنها خرجت تغتسل في نهر في موضع خال مستور عن أعين الناس، فلما فرغت من غسلها أقبل نحوها شاب حسن الصورة والهيئة، فلما رأته قالت: قف أيها الشخص مكانك ولا تقرب نحوي إن كنت من أهل الإيمان والتقى، فقال لها: لست بشرًا إنما أنا ملك من ملائكة الله سبحانه وتعالى أرسلني الله عز وجل إليك أبشرك بأنك تأتين بمولود هو كلمة من كلمات الله، يمسح الجليل سبحانه وتعالى على ناصبته بيد رحمته وإقباله، فلا يدع فيه شيئًا مما يكره، ويفيض عليه بمعرفته ما يحتوي عليه علم الكتاب المكنون والقلم المحزون، ويلهمه الحكمة والاقتصاد واللين والتواضع، ويعلمه التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، وينزل عليه الإنجيل مشتملة على مواعظ وحكم، ويبعثه إلى بني إسرائيل، ويقيم على تحقيق نبوته براهين قاطعة ودلائل ساطعة، فيصور الطير من الطين وينفخ فيه فيكون حيوانًا طائرًا بإذن الله تعالى، ويحيي الموتى ويشفي الأكمه -وهو الذي ولد أعمى- فيصير بصيرًا، ويداوي البرص والمجذوم وذي العاهات المزمنة بنفسه ولمسه فيشفى بإذن الله تعالى، ويخبر بما كان وما يكون من الأمور المغيبة، وما دق وما خفي في البيوت والأسرار والضمائر.
فلما قال الملك لمريم عليها السلام ذلك، قالت له: كيف يكون لي ويولد لي ذلك المولود، وليس لي بعل ولا يحل لي الخيانة والبغي، وإنما يولد المولود من رجل؟
فأجابها الملك بأن الله عز وجل قادر على إيجاد مولود بلا أب فإنه واضع الأسباب إن شاء أجرى آثار قدرته بواسطة الأسباب، وإن شاء أجرى آثار