بتلك الأحوال أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء. فعلى إعجازه دليل إجمالي، وهو أن العرب عجزت عنه وهو بلسانها، فعيرها أحرى، ودليل تفصيلي مقدمته التفكر في خواص تركيبه، ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شيء علمًا. وقال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أن إعجاز القرآن ذكر من وجهين:
أحدهما: إعجاز يتعلق بنفسه، والثاني: بصرف الناس عن معارضته، فالأول.
إما أن يتعلق بفصاحته وبلاغته [أو بمعناه] أما الإعجاز المتعلق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلق بعنصره؛ الذي هو اللفظ والمعنى؛ فإن ألفاظه ألفاظهم، قال تعالى:{قرآنًا عربيًا}[يوسف: ١]{بلسان عربي مبين}[الشعراء: ١٩٥]، ولا بمعانيه فإن كثيرًا منها موجود في الكتب المتقدمة، قال تعالى:{وإنه لفي زبر الأولين}[الشعراء: ١٩٦]؛ وما هو في القرآن من المعارف الإلهية وبيان المبدأ والمعاد، (إخباره) بالغيب؛ فإعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن، بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم وتعلم، ويكون الإخبار بالغيب