حتى حموه من خلال التحريف، وحفظوه من الطغيان والتطفيف، فلم يهملوا تحريكا، ولا تسكينا، ولا تفخيما، ولا ترقيقا، حتى ضبطوا مقادير المدات، وتفاوت الإمالات، وميزوا بين الحروف بالصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يوصل إليه إلا بإلهام باري النسم.
ومنها: ما ادخره الله تعالى من المنقبة العظيمة، والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة، من إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السبب الإلهي بسببها خصصه الله - جل شأنه - هذه الأمة المحمدية، وإعظاما لقدر هذه الملة الحنيفية، فكل قارئ يوصل حرفه بالنقل إلى أصله، ويرفع ارتياب الملحدين قطعا بوصله، فلو لم يكن من الفوائد إلا هذه الفائدة الجليلة لكفت، ولو لم يكن من الخصائص إلا هذه الخصلة النبيلة لوفت.
ومنها: ظهور سر الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز، وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز، فإن الله تعالى لم يخل عصرا من الأعصار/ ولو في قطر في الأقطار من إمام حجة، قائم بنقل كتاب الله تعالى، وإتقان حروفه ورواياته، وتصحيح وجوهه وقراءته، ليكون وجوده سببا لوجود هذا السبب القويم على ممر الدهور، وبقاؤه دليلا على بقاء القرآن العظيم في المصاحف والصدور.
انتهى منقولا من كتاب النشر للحافظ ابن الجزري - رحمه الله تعالى-.