ويكون المشبه حسيًا والمشبه به عقليًا ولم يقع في القرآن ومنعه أهل البيان لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها فإذا شبه المحسوس بالمعقول جعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا وهو غير جائز.
قال في المطول: وأمّا ما جاء من الأشعار من تشبيه المحسوس بالمعقول فوجهه أن يقدر المعقول محسوسًا ويجعل كالأصل لذلك المحسوس على طريق المبالغة فيصح التشبيه حينئذ.
أقول: إذا جعل لتشبيه المحسوس بالمعقول وجه فلأي شيء يمنع؟ بل ينبغي أن يجوز ذلك، فلو قال قائل الشمس كدليل فلان وحجته على هذه المسألة لصح ذلك. وقد وجد من هذا القبيل في كلام البلغاء ومنه قوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥)} [الصافات: ٦٤، ٦٥] فإن المشبه وهو شجرة الزقوم وأخبر الحق جل شأنه عنها فهي مما يدرك بالحاسة البصرية ولو في الدار الآخرة، وأما المشبه به وهو قوله تعالى:{كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات: ٦٥] فمن القاعدة المعلومة المشهورة أن المشبه به لا بد أن يكون ظاهرًا واضحًا معلومًا عند السامع حتى يشبه به غيره ولا وجود لرؤوس الشياطين في المحسوس لكن لمّا شاع وذاع قبح الشياطين وصفاتهم على لسان الأنبياء