معارضته وسلب عقولهم، وكان مقدورًا لهم، لكن عاقهم أمر خارجي، فصار كسائر المعجزات. وهذا قول فاسد بدليل (قوله تعالى): {قل لئن اجتمعت الإنس والجن ... } الآية [الإسراء: ٨٨]، فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره، هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزًا وليس فيه صفة إعجاز؛ بل المعجز هو الله تعالى، حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله.
وأيضًا فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدي، وخلو القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة، أن معجزة الرسول العظمى باقية ولا معجزة سوى القرآن.
قال القاضي أبو بكر: ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة، لم يكن الكلام معجزًا، وإنما يكون بالمنع معجزًا، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه.
قال: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم: إن الكل قادرون على الإتيان بمثله؛ وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به، ولا بأعجب من قول آخرين: إن العجز وقع منهم؛ وأما من بعدهم ففي قدرته.