لمحاسن الجميع، على نظم غير نظم شيء منها؛ يدل على ذلك أنه لا يصح أن يقال له، رسالة، أو خطابة، أو شعر، أو سجع، كما يصح أن يقال: هو (كلام)، والبليغ إذا قرع فصل بينه وبين ما عداه من النظم، ولهذا قال [تعالى]: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}[فصلت: ٤١، ٤٢]، تنبيها على أن (نظمه) ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى.
قال: وأما الإعجاز المتعلق بصرف الناس عن معارضته، فظاهر أيضًا إذا اعتبر؛ وذلك أنه ما من صناعة، محمودة كانت أو مذمومة؛ إلا وبينها وبين قوم مناسبات خفية، واتفاقات حملية؛ بدليل أن الواحد يؤثر حرفة من الحرف، فينشرح صدره بملابستها، وتطيعه قواه في مباشرتها، فيقبلها بانشراح صدره، ويزاولها باتساع قلبه، فلما دعا الله أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن، وعجزهم عن الإتيان بمثله، ولم يتصدوا لمعارضته لم يخف على أولي الألباب أن صارفًا إليهم صرفهم عن ذلك، وأي إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء [عجزة]، في الظاهر عن معارضته، مصروفة في الباطن عنها. انتهى.
قلت: هذا الكلام يوهم أن عجزهم كان يصرف الله لهم عن معارضته، والحق خلاف ذلك، فالإعجاز أنه كان وحصل وتحقق من ذات القرآن وجوهر