على الله راضيا بمواقع قضائه وقدره، ثم ابتلي بفقد أولاده وأهل بيته فحزن لذلك عند تفقد أولاه، ثم آب إلى الله تعالى وأسرع في الرجوع، ثم ابتلي في جسده بأنواع الأمراض والأسقام، ولم يكن يخدمه غير امرأته، وهي رحمة بنت أفريثم بن يوسف عليه السلام وكانت ذات جاه وجمال، وكانت من الأخيار الصابرات الراضيات، وكانت هي التي تسعى في خدمته ومعاشه وتقدم ذلك إليه، فلما طال مرضه واشتد بها الحال عرضت عليه التداوي، وطلبت منه أن يستعمل شيئا من الأدوية ليزول ما به من الأمراض، فغضب لذلك لعلمه أن الذي هو فيه، ليس من قبيل الأمراض الطبيعية، وإنما هو ابتلاء إلهي، وامتحان رباني لا تنفع فيه الأدوية، ولا يفيد فيه الطب، فقال عند ذلك: لئن شفاني الله عز وجل لأجلدتها مائة جلدة، فلما شفاه الله تعالى أمره أن يأخذ قضيبا من نخل فيه مائة عرجون فيضربه ضربة واحدة، وذلك قول الله عز وجل: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب (٤٤)} [ص: ٤٤].
ولما طال البلاء وهو في كل ذلك راض من الله تعالى صابرا على ما أولاه المولى مستغرقا متلذذا، فلما قارب أن يتصل إلى غلبة شيء من الاشتغال عن التعظيم والتفكر في الآلاء، فإن القلب هو الطريق إلى ذلك، فإذا وصله الألم