إلا وأمر بربط هرة عندها، فما زاد الأمر إلا شدة، وكان الجرذ يقلب صخرة ما يقلبها خمسون رجلًا.
فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه، فقال له: إذا جلست العشية في نادين قومي، فأتني فقل لي: علام تحبس علي مالي، فإني سأقول لك: ليس لك عندي مال ولا ترك أبوك شيئا، وإنك كاذب، فإذا كذبتك فكذبني، واردد علي مثل ما قلت لك. فإذا فعلت ذلك فإني أشتمك فاشتمني، فإذا شتمتني فإني ألطمك، فإذا أنا لطمتك فالطمني.
قال: ما كنت لأستقبلك بذلك يا عم، قال: بلى فافعل؛ فإني أريد بذلك صلاحك وصلاح أهل بيتك، فقال الفتى: نعم، حيث عرف رأي عمه، فجاء فقال ما أمره به حتى لطمه، فقال الشيخ: يا معشر بني فلان ألطم فيسلم، لا سكنت في بلد لطمني فيه فلان أبدًا، من يبتاع مني، فلما عرف القوم منه الجد أعطوه، فنظر إلى أفضلهم عطية، فأوجب له البيع ودعا بالمال. ويحمل هو وبنوه من ليلته.
وفي رواية: أن الثمن لما صار في يده قال: [أي قومي إن العذاب قد أظلكم، وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم دارًا جديدًا وحمى شديدًا وسفرًا بعيدًا فليلحق بعمان، ومن أراد منكم الخمر والحمير والعصير فليلحق ببصرى، ومن أراد منكم الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، المغيمات في القحل، فليلحق بيثرب ذات النخل]، فأطاعه قوم فخرج أهل عمان إلى عمان، وخرجت غسان إلى بصرى، وخرجت الأوس والخزرج وبنو كعب إلى يثرب، فلما كانوا