للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيهما أفضل العقل أم الروح. قال ذلك الشخص: فرأيت الشيخ قد صعدت روحه إلى العالم العلوي، فتبعته بروحي فلم يزل يصعد، وأتبعه إلى انتهيت إلى السماء الرابعة، فاشتغلت برؤية من فيها، وصعدت روح الشيخ ثم عدت إلى المجلس والشيخ مستغرق، فلما أفاق أجاب السائل: بأن العقل أفضل من الروح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد هو وجبريل إلى العالم العلوي انتهى جبريل إلى حده ووقف، وكان روحًا، وارتفع محمد صلى الله عليه وسلم إلى المقامات العلية وكان عقلًا.

واعلم أن مقصود القائل في هذه الحكاية، أنه عقل ليس مقصوده بالعقل الذي هو عبارة: عن الإدراك الموضوع في الدماغ؛ بل المقصود أن الروح الإنسانية إذا تكلمت بالمعارف وخرجت إلى العالم العلوي صار لها قوة تلك المعاني وبسببها يقوى عروجها وصعودها، بخلاف أرواح الملائكة، فإنه ليس لها هذا التعقل، فلهذا ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم وترقى، ووقف جبريل عليه السلام عند حده، وما تعطيه روحانيته.

وقد تقدم أن صاحب العروج الروحاني لا يشعر بعروجه جليسه. وبعض أهل العروج الروحاني تفارق روحه جسده ويبقى جسده كالفخار بلا إحساس له ولا حركة، ثم تعود الروح إلى الجسد. وقد نقل ذلك عن الشيخ يحيى السهرودي.

وإذا صار للجسد والنفس مناسبة بالروح الآمري صار لها استيلاء على الجسد، وصار الجسد تحت سيطرتها وتدبيرها، فإذا صعدت روح من هذه صفته، رأى في تعلقه أن الصعود حاصل للروح والجسد، وإن كان في ظاهر الرؤية الجسد باق في مركزه، والروح كذلك.

وصاحب غلبة الروح على الجسد، يرى روحه ممتدة من موضعها إلى العالم العلوي، من غير مفارقة للجسد، وإلى ما فوق ذلك من السماوات

<<  <  ج: ص:  >  >>